ودعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيسير في الكوفة ويخذّل الناس عن ابن عقيل ويخوّفهم الحرب، ويحذّرهم عقوبة السلطان، وأمر محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس، وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر العجلي وشمر بن ذي الجوشن العامري، وحبس باقي وجوه الناس عنده؛ استيحاشاً إليهم لقلّة عدد من معه من الناس.
۲ / ۵۳
فخرج كثير بن شهاب يخذّل الناس عن ابن عقيل، وخرج محمّد ابن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة، فبعث ابن عقيل إلى محمّد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي، فلمّا رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخّر عن مكانه، وجعل محمّد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي يردّون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوّفونهم السلطان، حتّى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم، فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميّين ودخل القوم معهم.
فقال له كثير بن شهاب: أصلح اللّه الأمير، معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك، فاخرج بنا إليهم، فأبى عبيد اللّه وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه.
وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتّى المساء وأمرهم شديد، فبعث عبيد اللّه إلى الأشراف فجمعهم، ثمّ أشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوّفوا أهل العصيان الحرمان والعقوبة، وأعلموهم وصول الجند من الشام إليهم.
وتكلّم كثير حتّى كادت الشمس أن تجب، فقال: أيّها الناس، الحقوا بأهاليكم ولا تَعَجَّلوا الشرّ، ولا تعرّضوا أنفسكم للقتل، فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى اللّهَ الأميرُ عهداً: لئن تَمَّمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذرّيّتكم العطاء، ويفرّق مقاتلتكم في مغازي الشام، وأن يأخذ البريء ۲ / ۵۴