421
أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة

أطاعوهُم قالوا: عَصَيتَ اللّهَ عز و جل، فَهَلَكَ جُهّالٌ فيما لايَعلَمونَ، اُمِّيّونَ فيما يَتلونَ، يُصَدِّقونَ بِالكِتابِ عِندَ التَّعريفِ ويُكَذِّبونَ بِهِ عِندَ التَّحريفِ، فَلا يُنكَرونَ. اُولئِكَ أشباهُ الأَحبارِ وَالرُّهبانِ، قادَةٌ فِي الهَوى، سادَةٌ فِي الرَّدى.
وآخَرونَ مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَةِ وَالهُدى، لايَعرِفونَ إحدَى الطّائِفَتَينِ مِنَ الاُخرى، يَقولونَ ما كانَ النّاسُ يَعرِفونَ هذا ولا يَدرونَ ما هُوَ، وصَدَقوا، تَرَكَهُم رَسولَ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عَلَى البَيضاءِ۱ لَيلُها مِن نَهارِها، لَم يَظهَر فيهِم بِدعَةٌ ولَم يُبَدَّل فيهِم سُنَّةٌ، لا خِلافَ عِندَهُم ولاَ اختِلافَ، فَلَمّا غَشِيَ النّاسَ ظُلمَةُ خَطاياهُم صاروا إمامَينِ: داعٍ إلَى اللّه‏ِ تَبارَكَ وتَعالى وداعٍ إلَى النّارِ، فَعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ، فَعَلا صَوتُهُ عَلى لِسانِ أولِيائِهِ، وكَثُرَ خَيلُهُ ورَجِلُهُ۲، وشارَكَ فِي المالِ وَالوَلَدِ مَن أشرَكَهُ، فَعَمِلَ بِالبِدعَةِ وتَرَكَ الِكتابَ وَالسُّنَّةَ. ونَطَقَ أولِياءُ اللّهِ بِالحُجَّةِ وأخَذوا بِالكِتابِ وَالحِكمَةِ، فَتَفَرَّقَ مِن ذلِكَ اليَومِ أهلُ الحَقِّ وأهلُ الباطِلِ، وتَخاذَلَ۳ وتَهادَنَ أهلُ الهُدى، وتَعاوَنَ أهلُ الضَّلالَةِ، حَتّى كانَتِ الجَماعَةُ مَعَ فُلانٍ وأشباهِهِ، فَاعرِف هذَا الصِّنفَ.
وصِنفٌ آخَرُ، فَأَبصِرهُم رَأيَ العَينِ نُجَباءَ۴، وَالزَمهُم حَتّى تَرِدَ أهلَكَ، فَ «إِنَّ الْخَسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ أَلاَ ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»۵.۶

1.. يعني الشريعة ، الواضح مجهولها عن معلومها ، وعالمها عن جاهلها الوافي : ج ۲۶ ص ۹۴ .

2.. خيله وَرَجلُه : أي فرسانَه ورجّالته ، قوله تعالى : «وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ» أي بفرسانِكَ ورجّالتك (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۶۸۱ «رجل») .

3.. أي تركوا نصرة الحقّ . وفي بعض النسخ «تخادن» من الخِدْن وهو الصديق . وتهادن من المهادنة بمعنى المصالحة ، وفي بعض النسخ «تهاون» أي عن نصرة الحقّ ، وهذا أنسب للتخاذل ، كما أنّ التهادن أنسب للتخادن مرآة العقول : ج ۲۵ ص ۱۲۱ .

4.. بالنون والجيم والباء الموحّدة ، وفي بعض النسخ «تحيا» من الحياة الوافي : ج ۲۶ ص ۹۴ .

5.. الزمر : ۱۵ .

6.. الكافي : ج ۸ ص ۵۲ ح ۱۶ ، بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۳۵۹ ح ۲ .


أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
420

وقَد كانَ فِي الرُّسُلِ ذِكرى لِلعابِدينَ، إنَّ نَبِيّا مِنَ الأَنبِياءِ كانَ يَستَكمِلُ الطّاعَةَ، ثُمَّ يَعصِي اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى فِي البابِ الواحِدِ، فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الجَنَّةِ۱. و۲ يُنبَذُ بِهِ في بَطنِ الحوتِ، ثُمَّ لا يُنجيهِ إلاَّ الاِعتِرافُ وَالتَّوبَةُ. فَاعرِف أشباهَ الأَحبارِ وَالرُّهبانِ الَّذينَ ساروا بِكِتمانِ الكِتابِ وتَحريفِهِ، فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم وما كانوا مُهتَدينَ.
ثُمَّ اعرِف أشباهَهُم مِن هذِهِ الاُمَّةِ الَّذينَ أقاموا حُروفَ الكِتابِ وحَرَّفوا حُدودَهُ۳، فَهُم مَعَ السّادَةِ وَالكَبَرَةِ (/ وَالكَثرَةِ)، فَإِذا تَفَرَّقَت قادَةُ الأَهواءِ كانوا مَعَ أكثَرِهِم دُنيا، وذلِكَ مَبلَغُهُم مِنَ العِلمِ۴. لايَزالونَ كَذلِكَ في طَبَعٍ۵ وطَمَعٍ، لايَزالُ يُسمَعُ صَوتُ إبليسَ عَلى ألسِنَتِهِم بِباطِلٍ كَثيرٍ. يَصبِرُ مِنهُمُ العُلَماءُ عَلَى الأَذى وَالتَّعنيفِ، ويَعيبونَ عَلَى العُلَماءِ بِالتَّكليفِ۶. وَالعُلَماءُ في أنفُسِهِم خانَةٌ إن كَتَمُوا النَّصيحَةَ، إن رَأَوا تائِها ضالاًّ لايَهدونَهُ أو مَيِّتا لا يُحيونَهُ، فَبِئسَ ما يَصنَعونَ ! لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أخَذَ عَلَيهِمُ الميثاقَ فِي الكِتابِ أن يَأمُروا بِالمَعروفِ وبِما اُمِروا بِهِ، وأن يَنهَوا عَمّا نُهوا عَنهُ، وأن يَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى ولايَتَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ، فَالعُلَماءُ مِنَ الجُهّالِ في جَهدٍ وجِهادٍ ؛ إن وَعَظَت قالوا: طَغَت، وإن عَلِموا (/ عَمِلوا) الحَقَّ الَّذي تَرَكوا قالوا: خالَفَت، وإنِ اعتَزَلوهُم قالوا: فارَقَت، وإن قالوا: هاتوا بُرهانَكُم عَلى ما تُحَدِّثونَ قالوا: نافَقَت، وإن

1.. أشار به إلى آدم عليه‏السلام ، والمراد بالعصيان هنا ترك الأولى .

2.. الواو هنا بمعنى «أو» ، أشار به إلى يونس عليه‏السلام .

3.. إنّما شبّه هؤلاء العباد وعلماء العوام المفتونين بالحُطام بالأحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالآخرة بكتمانهم العلم ، وتحريفهم الكلم عن مواضعه وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وصدّهم عن سبيل اللّه‏ ، كما أنّهم كانوا كذلك على ما وصفهم اللّه‏ في القرآن في عدّة مواضع ، والمراد بالسادة والكبرة : السلاطين والحكّام وأعوانهم الظلمة الوافي : ج ۲۶ ص ۹۳ .

4.. إشارة إلى الآية ۳۱ من سورة النجم .

5.. الطبع ـ بالتحريك ـ : الرين ، و ـ بالسكون ـ : الختم كما في هامش الكافي .

6.. «منهم» أي من أشباه الأحبار والرهبان«العلماء» يعني العلماء باللّه‏ الربّانيّين . «بالتكليف» يعني تكليفهم بالحقّ الوافي : ج ۲۶ ص ۹۴ .

  • نام منبع :
    أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري، السّيّد رسول الموسوي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390/01/01
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3196
صفحه از 719
پرینت  ارسال به