419
أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة

عَلى مافَرَّطوا وهُم أهلُ الذَّمِّ، وعَلِموا أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى الحَليمَ العَليمَ، إنَّما غَضَبُهُ عَلى مَن لَم يَقبَل مِنهُ رِضاهُ، وإنَّما يَمنَعُ مَن لَم يَقبَل مِنهُ عَطاهُ، وإنَّما يُضِلُّ مَن لَم يَقبَل مِنهُ هُداهُ. ثُمَّ أمكَنَ أهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ، دَعا عِبادَهُ فِي الكِتابِ إلى ذلِكَ بِصَوتٍ رَفيعٍ لَم يَنقَطِع ولَم يَمنَع دُعاءَ عِبادِهِ، فَلَعَنَ اللّه‏ُ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أنزَلَ اللّهُ، وكَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ فَسَبَقَت قَبلَ الغَضَبِ، فَتَمَّت صِدقا وعَدلاً. فَلَيسَ يَبتَدِئُ العِبادَ بِالغَضَبِ قَبلَ أن يُغضِبوهُ، وذلِكَ مِن عِلمِ اليَقينِ وعِلمِ التَّقوى. وكُلُّ اُمَّةٍ قَد رَفَعَ اللّهُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حينَ نَبَذوهُ ووَلاّهُم عَدُوَّهُم حينَ تَوَلَّوهُ.
وكانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أن أقاموا حُروفَهُ وحَرَّفوا حُدودَهُ، فَهُم يَروونَهُ ولا يَرعَونَهُ، وَالجُهّالُ يُعجِبُهُم حِفظُهُم لِلرِّوايَةِ، وَالعُلَماءُ يَحزُنُهُم تَركُهُم لِلرِّعايَةِ.
وكانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أن وَلَّوهُ الَّذينَ لايَعلَمونَ۱، فَأَورَدوهُمُ الهَوى، وأصدَروهُم إلَى الرَّدى، وغَيَّروا عُرى الدّينِ، ثُمَّ وَرَّثوهُ فِي السَّفَهِ وَالصِّبا۲، فَالاُمَّةُ يَصدُرونَ عَن أمرِ النّاسِ بَعدَ أمرِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى وعَلَيهِ يَرِدونَ، فَبِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النّاسِ۳ بَعدَ وَلايَةِ اللّهِ، وثَوابُ النّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللّهِ، ورِضَا النّاسِ بَعدَ رِضَا اللّهِ، فَأَصبَحَتِ الاُمَّةُ كَذلِكَ وفيهِمُ الُمجتَهِدونَ فِي العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ، مُعجَبونَ مَفتونونَ، فَعِبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم ولِمَنِ اقتَدى بِهِم.

1.. أي جعلوا وليّ الكتاب والقيّم عليه والحاكم به الذين لايعلمونه ، وجعلوهم رؤساء على أنفسهم يتّبعونهم في الفتاوى وغيرها مرآة العقول : ج ۲۵ ص ۱۱۵ .

2.. أي جعلوه ميراثًا يرثه كلّ سفيه جاهل أو صبيّ غير عاقل . وقوله الآتي : «بعد أمراللّه‏» أي صدوره أو الاطّلاع عليه أو تركه ، والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول مرآة العقول : ج ۲۵ ص ۱۱۶ .

3.. ولاية الناس : هو المخصوص بالذم مرآة العقول : ج ۲۵ ص ۱۱۶ .


أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
418

فَانظُر كَيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذّاكَ بِنِعَمِهِ صَغيرا وكَبيرا ؟ وكَيفَ إعظامُكَ لِمَن جَعَلَكَ بِدينِهِ فِي النّاسِ جَميلاً ؟ وكَيفَ صِيانَتُكَ لِكِسوَةِ مَن جَعَلَكَ بِكِسوَتِهِ فِي النّاسِ سَتيرا ؟ وكَيفَ قُربُكَ أو بُعدُكَ مِمَّن أمَرَكَ أن تَكونَ مِنهُ قَريبا ذَليلاً ؟ ما لَكَ لا تَنتَبِهُ مِن نَعسَتِكَ وتَستَقيلُ مِن عَثرَتِكَ ؟! فَتَقولَ: وَاللّهِ ما قُمتُ للّهِ مَقاما واحِدا أحيَيتُ بِهِ لَهُ دينا أو أمَتُّ لَهُ فيهِ باطِلاً، فَهذا شُكرُكَ مَنِ استَحمَلَكَ (/ استَعمَلَكَ) ! ما أخوَفَني أن تَكونَ كَمَن قالَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ: «أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوَ تِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا»۱ اِستَحمَلَكَ كِتابَهُ وَاستَودَعَكَ عِلمَهُ فَأَضَعتَها، فَنَحمَدُ اللّهَ الَّذي عافانا مِمَّا ابتَلاكَ بِهِ، وَالسَّلامُ.۲

۸۴۳.الكافي عن يزيد بن عبد اللّه‏ عمّن حدّثه: كَتَبَ أبو جَعفَرٍ عليه‏السلام إلى سَعدِ الخَيرِ:
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
أمّا بَعدُ، فَإِنّي اُوصيكَ بِتَقوَى اللّهِ فَإِنَّ فيهَا السَّلامَةَ مِنَ التَّلَفِ وَالغَنيمَةَ فِي المُنقَلَبِ، إنَّ اللّهَ عز و جل يَقي بِالتَّقوى عَنِ العَبدِ ما عَزُبَ عَنهُ عَقلُهُ۳، ويَجلي بِالتَّقوى عَنهُ عَماهُ وجَهلَهُ، وبِالتَّقوى نَجا نوحٌ ومَن مَعَهُ فِي السَّفينَةِ وصالِحٌ ومَن مَعَهُ مِنَ الصّاعِقَةِ، وبِالتَّقوى فازَ الصّابِرونَ ونَجَت تِلكَ العُصَبُ۴ مِنَ المَهالِكِ، ولَهُم إخوانٌ عَلى تِلكَ الطَريقَةِ يَلتَمِسونَ تِلكَ الفَضيلَةَ، نَبَذوا طُغيانَهُم مِنَ الإِيرادِ بِالشَّهَواتِ لِما بَلَغَهُم فِي الكِتابِ مِنَ المَثُلاتِ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى مارَزَقَهُم وهُوَ أهلُ الحَمدِ، وذَمّوا أنفُسَهُم

1.. مريم : ۵۹ .

2.. تحف العقول : ص ۲۷۴ ، بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۱۳۲ ح ۲ ؛ تاريخ دمشق : ج ۲۲ ص ۴۱ نحوه .

3.. عزب : أي بعُد (النهاية : ج ۳ ص ۲۲۶ «عزب») ، وفي بعض النسخ «نفى بالتقوى عن العبد ماعزب عنه عقله» (كما في هامش الكافي) .

4.. العصب : جمع العصبة ، و هي الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين النهاية : ج ۳ ص ۲۴۳ «عصب» .

  • نام منبع :
    أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري، السّيّد رسول الموسوي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390/01/01
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4249
صفحه از 719
پرینت  ارسال به