417
أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة

«وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ».۱
أغفَلتَ ذِكرَ مَن مَضى مِن أسنانِكَ وأقرانِكَ، وبَقيتَ بَعدَهُم كَقَرنٍ أعضَبَ. اُنظُر هَلِ ابتُلوا بِمِثلِ مَا ابتُليتَ ؟ أم هَل وَقَعوا في مِثلِ ما وَقَعتَ فيهِ ؟ أم هَل تَراهُم ذَكرتَ خَيرا أهمَلوهُ وعَلِمتَ شَيئا جَهِلوهُ ؟ بَل حَظيتَ بِما حَلَّ مِن حالِكَ في صُدورِ العامَّةِ وكَلَفِهِم۲ بِكَ، إذ صاروا يَقتَدونَ بِرَأيِكَ ويَعمَلونَ بِأَمرِكَ ؛ إن أحلَلتَ أحَلّوا وإن حَرَّمتَ حَرَّموا، ولَيسَ ذلِكَ عِندَكَ، ولكِن أظهَرَهُم عَلَيكَ رَغبَتُهُم فيما لَدَيكَ، [و ۳] ذَهابُ عُلَمائِهِم، وغَلَبَةُ الجَهلِ عَلَيكَ وعَلَيهِم، وحُبُّ الرِّئاسَةِ وطَلَبُ الدُّنيا مِنكَ ومِنهُم. أما تَرى ما أنتَ فيهِ مِنَ الجَهلِ وَالغِرَّةِ ومَا النّاسُ فيهِ مِنَ البَلاءِ وَالفِتنَةِ ؟! قَدِ ابتَلَيتَهُم وفَتَنتَهُم بِالشُّغلِ عَن مَكاسِبِهِم مِمّا رَأَوا، فَتاقَت نُفوسُهُم إلى أن يَبلُغوا مِنَ العِلمِ ما بَلَغتَ، أو يُدرِكوا بِهِ مِثلَ الَّذي أدرَكتَ، فَوَقَعوا مِنكَ في بَحرٍ لايُدرَكُ عُمقُهُ، وفي بَلاءٍ لايُقدَرُ قَدرُهُ، فَاللّهُ لَنا ولَكَ وهُوَ المُستَعانُ.
أمّا بَعدُ، فَأَعرِض عَن كُلِّ ما أنتَ فيهِ حَتّى تَلحَقَ بِالصّالِحينَ، الّذينَ دُفِنوا في أسمالِهِم، لاصِقَةً بُطونُهُم بِظُهورِهِم، لَيسَ بَينَهُم وبَينَ اللّهِ حِجابٌ، ولا تَفتِنُهُمُ الدُّنيا ولا يُفتَنونَ بِها، رَغِبوا فَطَلَبوا فَما لَبِثوا أن لَحِقوا. فَإِذا كانَتِ الدُّنيا تَبلُغُ مِن مِثلِكَ هذَا المَبلَغَ ـ مَعَ كِبَرِ سِنِّكَ ورُسوخِ عِلمِكَ وحُضورِ أجَلِكَ ـ فَكَيفَ يَسلَمُ الحَدَثُ في سِنِّهِ، الجاهِلُ في عِلمِهِ، المَأفونُ في رَأيِهِ، المَدخولُ في عَقلِهِ ؟! إنّا للّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ. عَلى مَنِ المُعَوَّلُ ؟ وعِندَ مَنِ المُستَعتَبُ ؟ نَشكو إلَى اللّهِ بَثَّنا وما نَرى فيكَ، ونَحتَسِبُ عِندَ اللّهِ مُصيبَتَنا بِكَ.

1.. الذاريات : ۵۵ .

2.. كَلِف بالشيء كَلَفًا وكُلفةً فهو كلِف ومكلّف : لهج به ، كلِف بها أشدّ الكَلَف أي أحبّها . الكَلَف : الولوع بالشيء مع شغل قلب ومشقّة لسان العرب : ج ۹ ص ۳۰۷ «كلف» .

3.. ما بين المعقوفين إضافة منّا يقتضيها السياق ، ولعلّها سقطت من النسّاخ .


أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
416

وَاعلَم أنَّ أدنى ما كَتَمتَ وأخَفَّ مَا احتَمَلتَ أن آنَستَ وَحشَةَ الظّالِمِ وسَهَّلتَ لَهُ طَريقَ الغَيِّ بِدُنُوِّكَ مِنهُ حينَ دَنَوتَ وإجابَتِكَ لَهُ حينَ دُعيتَ، فَما أخوَفَني أن تَكونَ تَبوءُ بِإِثمِكَ غَدا مَع الخَوَنَةِ، وأن تُسأَلَ عَمّا أخَذتَ بِإِعانَتِكَ عَلى ظُلمِ الظَّلَمَةِ، إنَّكَ أخَذتَ ما لَيسَ لَكَ مِمَّن أعطاكَ، ودَنَوتَ مِمَّن لَم يَرُدَّ عَلى أحَدٍ حَقّا ولَم تَرُدَّ باطِلاً حينَ أدناكَ، وَأحبَبتَ (/ وَأجَبتَ) مَن حادَّ اللّهَ. أوَلَيسَ بِدُعائِهِ إيّاكَ حينَ دَعاكَ جَعَلوكَ قُطبا أداروا بِكَ رَحى مَظالِمِهِم، وجِسرا يَعبُرونَ عَلَيكَ إلى بَلاياهُم، وسُلَّما إلى ضَلالَتِهِم ؟! داعِيا إلى غَيِّهِم، سالِكا سَبيلَهُم، يُدخِلونَ بِكَ الشَّكَّ عَلَى العُلَماءِ، ويَقتادونَ بِكَ قُلوبَ الجُهّالِ إلَيهِم، فَلَم يَبلُغ أخَصُّ وُزَرائِهِم ولا أقوى أعوانِهِم إلاّ دونَ ما بَلَغتَ مِن إصلاحِ فَسادِهِم وَاختِلافِ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ إلَيهِم، فَما أقَلَّ ما أعطَوكَ في قَدرِ ما أخَذوا مِنكَ ؟! وما أيسَرَ ما عَمَروا لَكَ فَكَيفَ ما خَرَّبوا عَلَيكَ ؟!
فَانظُر لِنَفسِكَ فَإِنَّهُ لا يَنظُرُ لَها غَيرُكَ، وحاسِبها حِسابَ رَجُلٍ مَسؤولٍ. وَانظُر كَيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذّاكَ بِنِعَمِهِ صَغيرا وكَبيرا ؟ فَما أخوَفَني أن تَكونَ كَما قالَ اللّهُ في كِتابِهِ: «فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَْدْنَى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا»۱. إنَّكَ لَستَ في دارِ مُقامٍ، أنتَ في دارٍ قَد آذَنَت بِرَحيلٍ، فَما بَقاءُ المَرءِ بَعدَ قُرَنائِهِ ؟! طوبى لِمَن كانَ فِي الدُّنيا عَلى وَجَلٍ، يا بُؤسَ لِمَن يَموتُ وتَبقى ذُنوبُهُ مِن بَعدِهِ !
اِحذَر فَقَد نُبِّئتَ، وبادِر فَقَد اُجِّلتَ، إنَّكَ تُعامِلُ مَن لا يَجهَلُ، وإنَّ الَّذي يَحفَظُ عَلَيكَ لا يَغفُلُ، تَجَهَّز فَقَد دَنا مِنكَ سَفَرٌ بَعيدٌ، وداوِ ذَنبَكَ فَقَد دَخَلَهُ سُقمٌ شَديدٌ.
ولا تَحسَب أنّي أرَدتُ تَوبيخَكَ وتَعنيفَكَ وتَعييرَكَ، لكِنّي أرَدتُ أن يَنعَشَ اللّهُ ما [قَد] فاتَ مِن رَأيِكَ ويَرُدَّ إلَيكَ ما عَزَبَ مِن دينِكَ، وذَكَرتُ قَولَ اللّهِ تَعالى في كِتابِهِ:

1.. الأعراف : ۱۶۹ .

  • نام منبع :
    أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري، السّيّد رسول الموسوي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390/01/01
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4347
صفحه از 719
پرینت  ارسال به