145
أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة

الإسلام الذين يحاولون تبرير مشروعيّتهم، وإثبات وجوب طاعتهم على الناس، وتدعيم قوائم حكمهم، لذا نجد أنّ من جملة رواة هذا الحديث معاوية بن أبي سفيان۱. كما أنّ من البديهي أيضا أن يبادر علماء البلاط ووعّاظ السلاطين وبنفس الدافع إلى تأوّل حديث النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وتطبيقه على أئمّة الجور، ولكن من الواضح أنّ هذا ليس لعجز أو قصور منهم في فهم الحديث، بل تهكّم وتلاعب بألفاظه.

إنّه من غير الممكن فهم موقف عبداللّه‏ بن عمر الرافض لبيعة الإمام علي عليه‏السلام ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ـ على أساس عدم معرفته بالإمام عليه‏السلام، وهو المبادر من ليلته ـ عملاً بحديث «من مات بغير إمام» ـ للدخول على الحجّاج لمبايعة خليفة عصره عبدالملك بن مروان، حتى لا يبيت ليلة وهو لا يعرف إمام زمانه!!

أجل، إنّ من لا يُقرّ بإمامة عليّ عليه‏السلام ويعرض عن مبايعته، لابدّ أن يعترف ويُقرّ بإمامة عبدالملك بن مروان الذي ترك بيعته كفر ورجوع إلى الجاهليّة، ونتيجة ذلك مبايعته بذلك الشكل المُهين لقَدَم عامله السفّاح الحجّاج بن يوسف ! بل بلغ الأمر بعبد اللّه‏ بن عمر أنّه يرى في يزيد بن معاوية الذي ارتكب ما ارتكب بحق الإسلام وأهل البيت عليهم‏السلام، مصداقا للإمام في حديث: «من مات بغير إمام» معتبرا الخروج عليه كفرا وارتدادا !

لقد نقل المؤرّخون أنّ أهل المدينة تحرّكوا بعد حادثة كربلاء الأليمة وذلك في سنة ۶۳ هجريّة، حتّى آل الأمر إلى «واقعة الحرّة»، فدخل عبداللّه‏ بن عمر على زعيم قريش في هذه النهضة عبداللّه‏ بن مطيع، فأمر له بوسادة ليجلس، فقال له ابن عمر: لم أدخل عليك لأجلس ولكن لاُحدّثك بحديث سمعته من رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ؛

1.. راجع : ص ۱۳۳ ح ۱۶۹ ، هامش ۱ .


أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
144

المسلمون في كلّ زمان إمامهم واقتدوا به.

ومجمل الكلام: إنّ الإمامة هي الضمانة لاستمرار عصر العلم أو عصر الإسلام الحقّ، وبدون هذه الضمانة سيؤول مصير المجتمع إلى جاهليّة ما قبل الإسلام، ويستوحي هذا الحديث مضمونه ـ في الواقع ـ من الآية الكريمة التي تستشرف المستقبل حيث تقول:

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ‏انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ».۱

لقد بيّن النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في بعض الروايات التي يؤكّد فيها ضرورة معرفة الإمام، كيف أنّ المجتمع الإسلامي يمكن أن يرجع إلى جاهليّة ما قبل الإسلام.

إنّ كلام الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في هذا الحديث يُعبّر عن توقّع حصول مثل هذا الخطر فيما لو تمّ مصادرة مسألة الإمامة والقيادة.

من الإمام المطلوب معرفته ؟

إنّ أدنى تأمّل في مضمون الحديث المذكور ولا سيما في ضوء التفسير الذي طرحناه آنفا يغنينا عن الإجابة على هذا التساؤل بخصوص: من الإمام الذي تضمن إمامته ديمومة الإسلام الحقيقي، وبإلغائها والجهل بها يتمّ الرجوع إلى الجاهليّة ؟

فهل يمكن تعقّل أن يوجب النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله على جميع المسلمين معرفة واتّباع أي إمام متسلّطٍ على رقاب الاُمّة، بحيث يُؤَدّى الجهل به إلى الموت على الجاهليّة، حتّى ولو كان ظالما غشوما ومن «أئمّة النار»۲ بالتعبير القرآني؟!

إنّ من البديهي أن يتحوّل مثل هذا الحديث مستندا للحكّام المنحرفين في تأريخ

1.. آل عمران: ۱۴۴.

2.. راجع : القصص : ۴۱ .

  • نام منبع :
    أهل البیت علیهم السلام في الکتاب والسنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري، السّيّد رسول الموسوي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390/01/01
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2690
صفحه از 719
پرینت  ارسال به