97
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّي الله عليه و آله

الأحاديث .
على هذا فإنّ جفاف قلم التقدير لا يسلب الإنسان حرّيته وحسب ، بل إنّه يمنحه الحرّية ، لأنّ كتابته الّتي هي غير قابلة للتغيير هي حرّية الإنسان في اختيار طريق السعادة ، أو الشقاء.

۳ . نطاق حرّية الإنسان في دائرة التقدير الإلهي

إنّ حرّية الإنسان ليست مطلقة في تعيين مصيره الدنيوي والاُخروي ، بل هي في دائرة القضاء والقدر الإلهيين ، لأنّ لكلّ إنسان استعدادا خاصّا على أساس التقدير الحكيم للحقّ جلّ وعلا ، حيث لا يستطيع أن يتمتّع بحرّيته وسعيه ، إلّا في نطاق مقدراته واستعداداته ، لا أنّ كلّ شخص بإمكانه أن يصل إلى المركز الّذي يتطلّع إليه من الناحية الماديّة أو المعنويّة ، وما جاء في الأحاديث السابقة من أنّه : «كلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ» يشير إلى هذه الملاحظة .
نعم إنّ الإنسان لا يمكنه ـ كسائر المخلوقات ـ أن يخرج من نطاق المقدّرات الإلهيّة ، والفرق الوحيد بين الإنسان وسائر المخلوقات هو أنّه حرّ في تعيين مصيره في نطاق المقدّرات الإلهيّة ، وإنّ نظام الخلق سوف يوفّر له أداة الوصول إلى المصير الّذي يختاره مهما كان هذا المصير: «كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلَاءِ وَ هَـؤُلَاءِ مِنْ عَطَـاءِ رَبِّكَ وَ مَا كَانَ عَطَـاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» . ۱

الفصل الخامس : خصائص القضاء والقدر

۵ / ۱ . الحُسنُ

۴۵۲.رسول اللّه صلى الله عليه و آلهـ فِي الدُّعاءِ ـ: هُوَ العَزيزُ الغَفورُ ، جَميلُ الثَّناءِ ، حَسَنُ البَلاءِ ، سَميعُ الدُّعاءِ ، حَسَنُ القَضاءِ . ۲

۵ / ۲ . العَدْلُ

۴۵۳.الكافي :أتى جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : إذا أرَدتَ أن تَعبُدَني يَوما ولَيلَةً حَقَّ عِبادَتي فَارفَع يَدَيكَ إلَيَّ وقُل : «... اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمدا أبَدا ، أنتَ حَسَنُ البَلاءِ ، جَليلُ الثَّناءِ ، سابِغُ ۳ النَّعماءِ ، عَدلُ القَضاءِ ، جَزيلُ العَطاءِ» . ۴

۵ / ۳ . الخِيَرَةُ لِلمُؤمِنِ

۴۵۴.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :في كُلِّ قَضاءِ اللّهِ عز و جلخِيَرَةٌ لِلمُؤمِنِ . ۵

۴۵۵.عنه صلى الله عليه و آله :المُؤمِنُ كُلٌّ لَهُ فيهِ خَيرٌ ، ولَيسَ ذاكَ لِأَحَدٍ إلّا لِلمُؤمِنِ ، إن أصابَهُ سَرّاءُ فَشَكَرَ اللّهَ فَلَهُ أجرٌ ، وإن أصابَهُ ضَرّاءُ فَصَبَرَ فَلَهُ أجرٌ ، فَكُلُّ قَضاءِ اللّهِ لِلمُسلِمينَ خَيرٌ . ۶

۴۵۶.الإمام زين العابدين عليه السلام :ضَحِكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ حَتّى بَدَت نَواجِذُهُ ۷ ، ثُمَّ قالَ : ألا تَسأَلُونّي مِمَّ ضَحِكتُ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ .

1.الإسراء : ۲۰ .

2.الدروع الواقية : ص ۸۸ .

3.سُبوغُ النِّعمة : تَمامُها وَسَعَتُها (النهاية : ج ۲ ص ۳۳۸ «سبغ») .

4.الكافي : ج ۲ ص ۵۸۱ ح ۱۶ .

5.التوحيد : ص ۳۷۱ ح ۱۱ .

6.السنن الكبرى : ج ۳ ص ۵۲۶ ح ۶۵۵۴.

7.النواجذُ من الأسنان : الضواحك ، وهي التي تبدو عند الضحك (النهاية : ج ۵ ص ۲۰ «نجذ») .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّي الله عليه و آله
96

المجموعة الثانية : الأحاديث الّتي تدلّ على أنّ عددا من الناس خُلقوا للجنّة وخُلق عدد آخر منهم للنار ، وكلّ واحد منهم لايمكنه فعل إلّا ما خُلق له كما يروي عمران بن حصين ذلك قائلاً :
قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أعُلِمَ أهلُ الجَنَّةِ مِن أهلِ النَارِ؟ قالَ : فَقالَ : نَعَم ، قالَ : قيلَ : فَفيمَ يَعمَلُ العامِلونَ؟ قالَ : كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ . ۱
المجموعة الثالثة : الأحاديث الّتي تعتبر في الظاهر سعادة البشر وشقاءهم أمرا مقدّرا ومفروغا منه ، ومع ذلك فإنّها توصي بالعمل مستدلّةً بأنّ الذين هم أهل السعادة يوفّقون للأعمال الّتي توصلهم إلى سعادتهم المقدّرة ، وأمّا أهل الشقاء فإنّهم يوفّقون للأعمال الّتي تنتهي بهم إلى مصيرهم المشؤوم ، مثل ما نقل عن عمر بن الخطّاب من أنّه قال للنّبيّ صلى الله عليه و آله :
يا رسولَ اللّهِ ، أرَأَيتَ ما نَعمَلُ فيهِ أمرٌ مُبتَدَعٌ أو مُبتَدَأٌ أو أمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ؟ قالَ : أَمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ ، فَاعمَل يَابنَ الخَطّابِ ، فَإِنَّ كُلّاً مُيَسَّرٌ ، فَأَمّا مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلسَّعادَةِ ، وَمَن كانَ مِن أهلِ الشَّقاءِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلشَّقاءِ . ۲

ملاحظات لفهم الأحاديث المذكورة :

لبيان هذه الأحاديث ، من الضروريّ الالتفات إلى ثلاث ملاحظات :

۱ . التعارض مع القرآن والأحاديث القطعيَّة الصدور

إنّه إذا كان المراد من هذه الأحاديث إلغاء حرّية الإنسان في تعيين مصيره وعاقبته ، وسلب الإرادة والمشيئة الإلهية في تغيير مصير الإنسان والعالَم ، فإنّ هذه الأحاديث الآحاد لا تعارض الأحاديث المتواترة والسنّة القطعيّة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فحسب ، بل إنّها تتعارض مع صريح القرآن الكريم ، بل ومع فلسفة بعثة الأنبياء، وبناءً على ذلك فإنّها مردودة ولا يمكن قبولها على فرض صحّة أسانيدها .

۲ . عدم تعارض علم اللّه عز و جل مع إرادته وحرية الإنسان

من الممكن أن تكون هذه الروايات كناية عن العلم الأزلي للّه تعالى بالاُمور المذكورة ، بمعنى أنّ اللّه تعالى ، يعلم من سيكون شقيّا ، ومن سيدخل الجنّة ، ومن سيدخل النار، وباختصار : فإنّ اللّه ـ تعالى ـ يعلم المصير الدنيوي والاُخروي لجميع الناس، ولكنّ الملاحظة المهمّة والدقيقة هي أنّ علم اللّه ، ليس علّة للمعلوم ، بل هو تابع له ، لا متبوع له كما ظنّ الأشاعرة وأتباعهم .
بناءً على ذلك ، فإنّ العلم الأزلي للّه ـ تعالى ـ لا يتعارض ؛ لا مع إرادته ومشيئته ، ولا مع إرادة الإنسان واختياره في تعيين مصيره.
بعبارة اُخرى : فإنّ المراد من الأحاديث المذكورة ، أنّ اللّه ـ تعالى ـ يعلم كيف سيعيّن الإنسان باختياره مصيره في الدنيا والآخرة ، فهل سيكون شقيّا، أم سعيدا؟ وهل سيكون من أهل الجنّة ، أو من أهل النار؟ حيث ذكر هذا المعنى بوضوح في بعض

1.صحيح مسلم: ج ۴ ص ۲۰۴۱ ح ۹ .

2.مسند ابن حنبل : ج ۲ ص ۳۷۰ ح ۵۴۸۲ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّي الله عليه و آله
    سایر پدیدآورندگان :
    عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8472
صفحه از 604
پرینت  ارسال به