595
حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی

«الخوارج» استغلّوه من أجل هدف باطل ، وهو الإخلال بنظم المجتمع الإسلامي.
لقد كان الهدف الأساس من وراء شعار الخوارج ، النيل من وحدة المجتمع الإسلامي ، وذلك من خلال الإطاحة بالقيادة السياسيّة، والحال إنّ حفظ النظام واجب في جميع الأحوال:
إنَّ هؤُلاءِ قَد تَمالَؤوا عَلى سَخطَةِ إمارَتي، وسَأَصبِرُ ما لَم أخَف عَلى جَماعَتِكُم، فَإِنَّهُم إن تَمَّموا عَلى فَيالَةِ هذَا الرَّأيِ انقَطَعَ نِظامُ المُسلِمينَ. ۱
وممّا تجدر إليه الإشارة أنّ هذه الفكرة لم تكن لدى جميع الخوارج، بل كانت عند فرقة منهم ولم يكتب لها الاستمرار طويلاً في تاريخ الإسلام.
قال التفتازاني بعد نقل آراء الأشاعرة والمعتزلة وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في وجوب نصب الإمام وكيفيّة نصبه:
قالت النجدات ـ قوم من الخوارج أصحاب نجدة بن عويمر ـ : إنّه ليس بواجب أصلاً . وقال أبو بكر الأصمّ من المعتزلة : لا يجب عند ظهور العدل والإنصاف لعدم الاحتياج ، ويجب عند ظهور الظالم . وقال هشام القوطي منهم بالعكس ؛ أي يجب عند ظهور العدل لإظهار شرائع الشرع. ۲
وقال ابن حزم الأندلسي عند قول «النجدات»:
وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحدا . ۳
وقال ابن أبي الحديد في ذلك:
فقال المتكلّمون كافّة : الإمامة واجبة ، إلّا ما يُحكى عن أبي بكر الأصمّ من قدماء أصحابنا أنّها غير واجبة ؛ إذا تناصفت الاُمّة ولم تتظالم . وقال المتأخّرون من

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۹ ، بحار الأنوار : ج ۳۲ ص ۸۱ ح ۵۳ .

2.راجع : شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني : ج ۵ ص ۲۳۶ .

3.الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم : ج ۴ ص ۸۷ .


حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
594

وسياسيّة مقتدرة ، وقد أشارت جميع الروايات التي فسّرت الإمامة على أنّها «نظام الإسلام» أو «نظام المسلمين» ـ والتي أناطت إجراء الأحكام وتقدّم المجتمع الإسلامي بأئمّة الدين ـ إلى هذا النوع من فلسفة الإمامة والحكمة فيها. ۱
الحكمة الثانية: منع الفوضى
على الرغم من إلزام الإسلام المسلمين جميعا بتهيئة الأرضيّة لتأسيس حكومة الصالحين في الأرض، إلّا أنّه لا ينكر في جميع الظروف ضرورة وجود القيادة السياسيّة في المجتمع مهما كانت توجّهاتها الدينيّة، فهو لا يسمح للمجتمع الإسلامي أن يقف حياديّا أو مكتوف اليدين تجاه قضيّة هامّة كمسألة القيادة السياسيّة أو الاستسلام لحالات الفوضى. وإنّ جميع الروايات التي تؤكّد بصورة عامّة مبدأ القيادة السياسيّة في المجتمع ورجحانها على حالات الفوضى والفتنة ، فهي تشير إلى هذه الحكمة على نحو التّرتّب . ۲
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بيان وجه الحكمة السياسيّة من وجود مطلق القيادة السياسيّة ، ردّا على من كان يرفع شعار : « لا حكم إلّا للّه » وهو شعار مصدره القرآن الكريم ، إلّا أنّ حَمَلَته أرادوا به التمرّد على حكم الإمام عليه السلام :
كَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِها باطِلٌ ! نَعَم ، إنَّهُ لا حُكمَ إلّا للّهِِ ، وَلكِنَّ هؤُلاءِ يَقولونَ : لا إمرَةَ إلّا للّهِِ ! وإنَّهُ لابُدَّ لِلنّاسِ مِن أميرٍ ؛ بَرٍّ أو فاجِرٍ ، يَعمَلُ في إمرَتِهِ المُؤمِنُ ، وَيَستَمتِعُ فيهَا الكافِرُ ، ويُبَلِّغُ اللّهُ فيهَا الأَجَلَ ، ويُجمَعُ بِهِ الفَيءُ ، ويُقاتَلُ بِهِ العَدُوُّ ، وتَأمَنُ بِهِ السُّبُلُ ، ويُؤخَذُ بِهِ لِلضَّعيفِ مِنَ القَوِيِّ ؛ حَتّى يَستَريحَ بَرٌّ ، ويُستَراحَ مِن فاجِرٍ. ۳
إنّ شعار «لا حُكمَ إلّا للّهِِ» شعار صحيح في نفسه ، ولكن حملته وهم

1.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۴ ( الإمامة / الفصل الرابع : حكمة الإمامة ح ۳۲۷۲ و ۳۲۷۳ و ۳۲۷۷ ) .

2.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۴ ( الإمامة / الفصل الرابع : حكمة الإمامة / الحكمة السياسية / الوقاية من الهرج ) .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۴۰ ، السنن الكبرى : ج ۸ ص ۳۱۹ ح ۱۶۷۶۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6701
صفحه از 686
پرینت  ارسال به