ثُمَّ قُلتَ : «حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابا نَقرَؤُهُ» ، مِن بَعدِ ذلِكَ ، «ثُمَّ لا أدري اُؤمِنُ بِكَ أو لا اُؤمِنُ بِكَ» . فَأَنتَ ـ يا عَبدَاللّهِ ! ـ مُقِرٌّ بِأَنَّكَ تُعانِدُ حُجَّةَ اللّهِ عَلَيكَ ، فَلا دَواءَ لَكَ إلّا تَأديبَهُ لَكَ عَلى يَدِ أولِيائِهِ مِنَ البَشَرِ ، أو مَلائِكَتِهِ الزَّبانِيَةِ ، وقَد أنزَلَ اللّهُ عَلَيَّ حِكمَةً بالِغَةً جامِعَةً لِبُطلانِ كُلِّ مَا اقتَرَحتَهُ .
فَقالَ عز و جل : قُلْ يا مُحَمَّدُ ! ـ « سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَا بَشَرًا رَّسُولًا » ۱ ما أبعَدَ رَبّي عَن أن يَفعلَ الأَشياءَ عَلى [ قَدرِ ] ما يَقتَرِحُهُ الجُهّالُ بِما يَجوزُ وبِما لا يَجوزُ ، وهَل كُنتُ إلّا بَشرا رَسولاً ، لا يَلزَمُني إلّا إقامَةُ حُجَّةِ اللّهِ الَّتي أعطاني ، ولَيسَ لي أن آمُرَ عَلى رَبّي ولا أنهى ولا اُشيرُ ، فَأَكونَ كَالرَّسولِ الَّذي بَعَثَهُ مَلِكٌ إلى قَومٍ مِن مُخالِفيهِ فَرَجَعَ إلَيهِ يَأمُرُهُ أن يَفعَلَ بِهِم مَا اقتَرَحوهُ عَلَيهِ .
فَقالَ أبوجَهلٍ : يا مُحَمَّدُ ! هاهُنا واحِدَةٌ ، أَلَستَ زَعَمتَ أنَّ قَومَ موسى احتَرَقوا بِالصّاعِقَةِ لَمّا سَأَلوهُ أن يُرِيَهُمُ اللّهَ جَهرَةً ؟
قالَ : بَلى .
قالَ : فَلَو كُنتَ نَبيّا لَاحتَرَقنا نَحنُ أيضا ، فَقَد سَأَلنا أشَدَّ مِمّا سَأَلَ قَومُ موسى ، لِأَ نَّهُم كَما زَعَمتَ قالوا : أرِنَا اللّهَ جَهرَةً . ونَحنُ نَقولُ : لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَأتِيَ بِاللّهِ وَالمَلائِكَةِ قَبيلاً نُعايِنُهُم . ۲