وقال أيضا في بيان قوله تعالى : «فَإِذا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بِهِ .. .» ۱ إلى آخر الحديث :
لأصحاب القلوب في هذا المقام كلمات سنيّة وإشارات سرّيّة وتلويحات ذوقيّة تعطّر مشام الأرواح وتحيى رميم الأشباح لا يهتدي إلى معناها ولا يطّلع على مغزاها إلّا من أتعب بدنه بالرّياضات وعنّى نفسه بالمجاهدات حتّى ذاق مشربهم وعرف مطلبهم ، وأمّا من لم يفهم تلك الرموز ولم يهتد إلى هاتيك الكنوز لعكوفه على الحظوظ الدّنيّة وإنهماكه في اللّذّات البدنيّة ، فهو عند سماع تلك الكلمات على خطر عظيم من الترّدي في غياهب الإلحاد ، والوقوع في مهاوي الحلول والإتّحاد تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .
ونحن نتكلّم في هذا المقام بما يسهل تناوله على الأفهام ، فنقول : هذا مبالغة في القرب وبيان استيلاء سلطان المحبّة على ظاهر العبد وباطنه وسرّه وعلانيّته .
فالمراد ـ واللّه أعلم ـ إنّي إذا أحببت عبدي جذبته إلى محلّ الاُنس وصرفته إلى عالم القدس وصيّرت فكره مستغرقا في أسرار الملكوت وحواسّه مقصورةٌ على اجتلاء أنوار الجبروت ، فتثبت في مقام القرب قدمه ويمتزج بالمحبّة لحمه ودمه إلى أن يغيب عن نفسه ويذهل عن حسّه فتتلاشى الأغيار في نظره حتّى أكون له بمنزلة سمعه وبصره . ۲