163
حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی

دراسة حول السّعادة والشّقاء في بطن الاُم

يدلّ ظاهر هذا الحديث على أنّ السعادة والشقاء مقارنان للإنسان من حين ولادته، وأنّ سعادة البشر و شقاءهم محدّدان قبل أن يولدوا. فكلّ من كان سعيدا في بطن اُمّه سوف تقترن حياته بالسعادة بعد ولادته ، وإذا ما كُتب عليه أن يكون شقيّا في بطن اُمّه، فإنّه سيكون تعيسا بعد ولادته أيضا.
وعلى هذا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل يدلّ هذا الحديث على كون الناس مجبورين في سلوك طريق السعادة والشقاء؟
قبل الإجابة على هذا السؤال من الضروري الالتفات إلى هذه الملاحظة : وهي أنّ الاعتقاد بالجبر ـ كما أوضحنا بشكلٍ مفصّل فيما مضى ـ يعني إنكار العلم الحضوريّ للإنسان باختياره وحرّيته ، كما يعني نسبة الظلم والفعل القبيح إلى اللّه تعالى ، وكذلك فإنّ الدين والشريعة والقيم الأخلاقيّة ستكون فاقدة للقيمة في حالة كون أفعال الإنسان إجباريّة. على أساس هذا المبدأ المسلّم به الّذي لا يقبل الشكّ، فإنّ القضاء والقدر الإلهيّين ـ ومن جملتهما تقدير سعادة الإنسان أو شقائه لا مناص من تفسيرهما بشكلٍ بحيث لا يؤدّي إلى كون الإنسان مجبورا في اختيار طريق الحياة.
يمكن القول مع أخذ هذه الملاحظة بنظر الاعتبار بأنّ الحديث المذكور يشير إلى أحد المعاني التالية :


حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
162

لِفَصلِ القَضاءِ يَأتي بِأَولادِ المُشرِكينَ ، فَيَقولُ لَهُم : عَبيدي وإمائي مَن رَبُّكُم وما دينُكُم وما أعمالُكُم ؟
قالَ : فَيَقولونَ : اللّهُمَّ رَبَّنا أنتَ خَلَقتَنا ولَم نَخلُق شَيئا ، وأنتَ أمَتَّنا ولَم نُمِت شَيئا ، ولَم تَجعَل ۱ لَنا ألسِنَةً نَنطِقُ بها ولا أسماعا نَسمَعُ بِها ولا كِتابا نَقرَؤُهُ ولا رَسولاً فَنَتَّبِعَهُ ، ولا عِلمَ لَنا إلّا ما عَلَّمتَنا .
قالَ : فَيَقولُ لَهُم عز و جل : عَبيدي وإمائي إن أمَرتُكُم بِأَمرٍ أتَفعَلوهُ ؟ فَيَقولونَ : السَّمعُ وَالطّاعَةُ لَكَ يا رَبَّنا .
قالَ : فَيَأمُرُ اللّهُ عز و جل نارا يُقالُ لَهَا الفَلَقُ أشَدُّ شَيءٍ في جَهَنَّمَ عَذابا ، فَتَخرُجُ مِن مَكانِها سَوداءَ مُظلِمَةً بِالسَّلاسِلِ وَالأَغلالِ ، فَيَأمُرُهَا اللّهُ عز و جل أن تَنفُخَ في وُجوهِ الخَلائِقِ نَفخَةً ، فَتَنفُخُ ، فَمِن شِدَّةِ نَفخَتِها تَنقَطِعُ السَّماءُ وتَنطَمِسُ النُّجومُ وتَجمُدُ البِحارُ وتَزولُ الجِبالُ وتُظلِمُ الأَبصارُ وتَضَعُ الحَوامِلُ حَملَها ، ويَشيبُ الوِلدانُ مِن هَولِها يَومَ القِيامَةِ ، ثُمَّ يَأمُرُ اللّهُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ أطفالَ المُشرِكينَ أن يُلقوا أنفُسَهُم في تِلكَ النّارِ ، فَمَن سَبَقَ لَهُ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أن يَكونَ سَعيدا ألقى نَفسَهُ فيها ، فَكانَت عَلَيهِ بَردا وسَلاما كَما كانَت عَلى إبراهيمَ عليه السلام ، ومَن سَبَقَ لَهُ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أن يَكونَ شَقِيّا امتَنَعَ فَلَم يُلقِ نَفسَهُ فِي النّارِ ، فَيَأمُرُ اللّهُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ النّارَ فَتَلتَقِطُهُ لِتَركِهِ أمرَ اللّهِ وَ امتِناعِهِ مِنَ الدُّخولِ فيها ، فَيَكونُ تَبَعا لِابائِهِ في جَهَنَّمَ وذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خَــلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَـوَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ خَــلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَـوَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَـاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» ۲ . ۳

1.هكذا في المصدر ، والظاهر «نجعل» وهو أنسب للسياق .

2.هود : ۱۰۵ ـ ۱۰۸ .

3.التوحيد : ص ۳۹۰ ح ۱ ، بحار الأنوار : ج ۵ ص ۲۹۱ ح ۷ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6416
صفحه از 686
پرینت  ارسال به