113
حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی

لكنّ الوثائق التاريخيّة والحديثيّة لا تثبت كون هذا الفريق من المفوّضة ، وإنّما نسبت إليهم عقيدة التفويض ونفي القضاء والقدر الإلهيّين في كتب الفرق والمذاهب . ۱ ولا يمكننا أن نصدر حكما قطعيّا في هذا المجال ؛ نظرا إلى أنّ كتب هؤلاء المتكلّمين لم تصلنا .
ويتمثّل الفريق الثاني في المعتزلة ، وهذا الفريق لا يعتبر نفسه هو أيضا من المفوّضة أو القدريّة . ويرى متكلّمو الإماميّة عادةً أنّ المعتزلة يؤيّدون الاختيار ويوافقون الإماميّة في الرأي ، ۲ إلّا أنّ بعض عقائد المعتزلة يستلزم التفويض .
وقد خصّص القاضي عبدالجبار المعتزليّ فصلاً مستقلّاً مسهبا من كتاب المغني تحت عنوان «في استحالة مقدور لقادرين أو لقدرتين» ، وأقام أدلّة عديدة على هذه النظريّة ، ونقل عن اُستاذيه أبي علي الجبائيّ وأبي هاشم الجبائيّ بعض ما يؤيّد هذه النظريّة .
استنادا إلى هذه النظريّة فإنّ اللّه ليست له القدرة على أفعال الإنسان ذلك ؛ لأنّ الإنسان قادر على أفعاله الاختياريّة ، بناءً على ذلك فإن كان اللّه قادرا أيضا على هذه الأفعال ، فسيكون ثمَّةَ قادران على مقدورٍ واحدٍ وهو محال .
إنّ هذه النظريّة تستلزم عجز اللّه ـ جلّ وعلا ـ وضعفه والحدّ من سلطته ؛ لأنّ مقتضاها هو أنّ اللّه ليست له سلطة على أفعال الناس الاختياريّة وعاجز عن أن يقف أمام صدور فعل من الإنسان ، في حين أنّ المحدوديّة والعجز والضعف من خصوصيّات المخلوق ولا يمكن نسبة هذه الصفات إلى الخالق .
روي عن الإمام الباقر عليه السلام فيما يتعلّق ببطلان نظريّة التفويض إلى جانب بطلان

1.آشنائى با فرق و مذاهب إسلامي (بالفارسيّة) : ج ۶ ص ۴۵ .

2.نهج الحقّ وكشف الصدق : ص ۱۰۱ ، أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ص ۱۱۰ ، كشف المراد : ص ۳۰۸ ، النافع يوم الحشر : ص ۲۷ و ۱۵۶ ، أوائل المقالات : ص ۱۵ .


حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
112

معاني التفويض

لكلمة التفويض استعمالات مختلفة في الكتاب والسنّة واصطلاح العلماء ، مثل :
۱ . التفويض الأخلاقيّ ، أي أن يوكل الإنسان اُمور اللّه إلى اللّه ويتوكّل عليه في أعماله .
۲ . التفويض التشريعيّ أو الإباحيّ ، بمعنى أنّ اللّه لم يقرّر تكليفا على الإنسان وأنّه أوكل التشريع إليه .
۳ . تفويض بعض الاُمور الدينيّة من جانب اللّه إلى الأنبياء أو أوصيائهم .
۴ . التفويض التكوينيّ ، بمعنى إيكال الخلق أو تدبير شؤون المخلوقات إلى الأنبياء أو أوصيائهم .
۵ . تفويض تفسير عدد من صفات اللّه عز و جل ـ مثل الصفات الخبريّة ۱ ـ إليه .
وممّا يجدر ذكره أنّ أيّا من المعاني المذكورة صحّة وبطلاناً لا يعنينا هنا بالبحث والدراسة .
۶ . التفويض في مقابل الجبر ، أي إيكال أفعال الإنسان بشكلٍ مطلق إليه . استنادا إلى هذه النظريّة فعلى الرغم من أنّ الإنسان اكتسب في نطاق الأفعال المفوّضة إليه أصل القدرة على إنجاز الاُمور من اللّه سبحانه ، ولكنّه بعد اكتساب هذه القدرة يمتلك هو نفسه الاستقلاليّة في أفعاله ، وتحقّق هذه الأفعال لا يعتمد على إذن اللّه التكوينيّ ، بل إنّ اللّه فاقد للقدرة والاستطاعة بالنسبة إلى هذه الأفعال .
وقد نُسبت هذه النظريّة في تاريخ علم الكلام والفرق والمذاهب إلى فريقين :
الفريق الأوّل : القدريّون الأوائل وعلى رأسهم معبد الجهنيّ وغيلان الدمشقيّ ،

1.الصفات الخبرية هي الصفات الّتي نسبها الكتاب والسنّة إلى اللّه ـ تعالى ـ الّتي لا يثبتها العقل للّه ، مثل : الوجه واليد ، وقد كان بعض أهل الحديث مثل مالك بن أنس والماتريدي يعتقدون بهذا المعنى للتفويض (راجع : الملل والنحل : ج ۱ ص ۸۵ والتوحيد : ص ۷۴) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6744
صفحه از 686
پرینت  ارسال به