109
حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی

أدلّة بطلان الجبر

بالإضافة إلى أنّ دليل أنصار الجبر لا يكفي لاثبات هذا الادّعاء ، ولا يوجد في الحقيقة دليل يثبت هذه النظريّة ، فإنّ هناك عدّة أدّلة تثبت بطلان هذه النظريّة :

۱ . العلم الحضوري بالحريّة في الأفعال

إنّ أوضح دليل لردّ نظريّة الجبر ، هو الوجدان والعلم الحضوريّ للإنسان بنفسه وأفعاله . فإذا ما عاد الإنسان إلى نفسه وتوجّه إلى أفعاله ، فإنّه سيدرك أنّه إذا أراد القيام بعملٍ فإنّ بإمكانه أن لا يريد القيام به ، كما أنّه إذا لم يرد القيام بعملٍ ما ولم يفعله ، أنّه كان بإمكانه أن يريد ذلك العمل ويقوم به . ومعنى الاختيار هو هذه الحرّية في الفعل والترك ، والعلم الحضوري هو أقوى علم للإنسان وأكثره قيمة .
على هذا الأساس يثبت بطلان نظريّة الجبر الخالص ؛ ذلك لأنّ للإنسان علما حضوريّا ووجدانيّا بقدرته . كما تبطل نظريّة الجبر المتوسّط أيضاً ؛ لأنّ الإنسان له علم حضوريّ بتأثير قدرته على عمله الاختياريّ .
إنّ هذا البرهان كما يبطل الجبر الكلاميّ ، فإنّه يبطل الجبر الاجتماعيّ والنفسيّ والفلسفيّ أيضا ، فرغم أنّ تركيبة المجتمع والجسم والنفس تؤثّر على أفعال الإنسان ، وأنّ هذا التأثير كبير بشكلٍ خارق للعادة في بعض الحالات ، ولكنّ الإنسان يدرك بعلمه الحضوريّ أنّ تأثير العوامل المذكورة ليس هو العلّة التامّة للقيام بها ، بل إنّه يستطيع اختيار طريق آخر رغم المقتضيات النفسيّة والاجتماعيّة .
بعبارةٍ اُخرى ، إنّ المقتضيات الروحيّة والاجتماعيّة من الممكن أن تعقّد عمليّة الاختيار لفعلٍ معيّن ، إلّا أنّ اختيار العمل الصعب ليس محالاً ، فبمقدور الإنسان أن يختاره ، والواقع العمليّ يشهد على صحّة هذا الادّعاء ، فنحن نلاحظ أنّ بعض الأشخاص يختارون الطريق الصحيح في الحياة رغم فساد الوسط الاُسريّ والاجتماعيّ الّذي يعيشون فيه . في حين نرى على العكس من ذلك أنّ بعض


حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
108

الاختياريّة لا يعنيان إجبار الناس على أعمال خاصّة ، بل إنّ التقدير الإلهيّ في هذا المجال يعني أنّ اللّه حدّد قدرة الإنسان ومنحه القدرة بمقدارٍ معيّن ، ويعني القضاء الإلهي أنّ اللّه حكم بهذا التحديد وأوجده ، كما أنّ استخدام هذه القدرة المحدودة مشروط بإذن اللّه .
على هذا فإذا ارتكب الإنسان المعصية ، فإنّ هذا لا يعني أنّ اللّه أصبح مغلوبا ؛ ذلك لأنّ اللّه أعطى الإنسان القدرة على المعصية ، ولم يمنعه من صدور المعصية من الناحية التكوينيّة عند ارتكابها ، رغم أنّه أعلن للناس من الناحية التشريعيّة وعن طريق رسله أنّه لا يرضى بارتكاب المعاصي من الناحية التشريعيّة .

۲ . التمسّك بالتوحيد الأفعالي

الدليل الآخر لأنصار الجبر ومن جملتهم الأشعريّ هو : التوحيد الأفعالي ، حيث يعدّ اللّه بموجبه فاعل جميع الأفعال . ويستدلّ في هذا المجال بالآية : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» ، واعتبر أنّ المراد من «ما تعملون» جميع أفعال الناس .

نقد الدليل الثاني لأنصار الجبر

يجب القول فيما يتعلّق بالتوحيد الأفعالي : إنّ هذا التوحيد إذا كان يعني القيام بجميع الأفعال ـ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة وذنوبه ـ من قبل اللّه ـ تعالى ـ فإنّ ذلك لا يعني إلّا الجبر نفسه ، وهو غير صحيح ، والمعنى الصحيح للتوحيد الأفعالي هو أنّ قدرة القيام بجميع الأفعال هي من جانب اللّه ، فحتّى عندما يقوم الإنسان بالفعل الاختياريّ ، فإنّه في الحقيقة قد اكتسب القدرة على هذا الفعل من اللّه . والآية المذكورة خطاب لعبدة الأوثان ، والمراد من «ما تعملون» هو الأصنام لا أفعال الناس .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6590
صفحه از 686
پرینت  ارسال به