والمراد من «الكسب» هو اقتران إيجاد الفعل في الإنسان مع إيجاد القدرة الحادثة فيه ، ولكن بما أنّ كلّاً من الفعل والقدرة الحادثتين يصدران من قِبل اللّه ، فإنّ «الكسب» أيضا سيكون مخلوقا من قبل اللّه عز و جل ، كما يقول الأشعريّ :
إن قال قائل لِمَ زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة للّه تعالى ؟ قيل له : قلنا ذلك لأنّ اللّه تعالى قال : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» ۱ . ۲
بناءً على ذلك، فإنّ الأشعريّ يعتبر الإنسان ممتلكا للقدرة الحادثة ، ولكنّ هذه القدرة ليس لها أثر في إيجاد الفعل ، وهو نفس نظريّة الجبريّة المتوسّطة .
والسبب في أنّ الأشعريّ ينسب الكسب إلى الإنسان ، هو أنّ الفعل والقدرة الحادثة يحدثان في الإنسان ، كما يقال للشيء الّذي حلّت فيه الحركة : متحرّك . ۳
أدلّة نظرية الجبر ونقدها
لقد تمسّك أنصار نظريّة الجبر بدليلين ، سنقوم فيما يلي بطرحهما ونقدهما بشكلٍ إجمالي:
۱ . التمسّك بالقضاء والقدر
يُعدّ القضاء والقدر الإلهييّن أهمّ أدلّة المتكلّمين من أهل الجبر . وقد لاحظنا ما قاله أحمد بن حنبل الّذي يعتبر اختيار الإنسان متنافيا مع القضاء والقدر الإلهيّين ، فهو يرى أنّ اللّه إذا قدّر فعلاً للإنسان مثل شرب الخمر ، فإن كان الإنسان حرّا في ترك شرب الخمر ، وتركه فهذا يعني أنّ اللّه مغلوب والإنسان غالب .
نقد الدليل الأوّل لأنصار الجبر
يجب القول إجابةً على هذا الدليل : إنّ القضاء والقدر في أفعال الإنسان