الثاني : الحيعلة في الأذان والإقامة
إنّ أتباع أهل البيت يعتبرون جملة «حَيَّ على خَيرِ العَمَل» جزءا من الأذان والإقامة ، وذلك على ضوء ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام في كون جزئيّة الحيعلة تلقّاها الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله من الوحي الإلهيّ ، ويؤيّد ذلك بعض الروايات الواردة حول الأذان الأوّل لبلال في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مصادر حديث أهل السنّة ۱ ، وهو أيضا مذهب بعض الصحابة والتابعين ۲ .
وهنا يُطرح سؤال مهم وهو: إذا كانت الحيعلة جزءا من الأذان والإقامة منذ فجر الإسلام ، وأنّ المسلمين كانوا يكرّرونها في الأذان على عهد الرسول صلى الله عليه و آله ، إذا من الّذي تصدّى لحذفها ، وماهو الباعث وراء ذلك؟
لقد ورد جواب هذا التساؤل في بعض روايات أهل البيت عليهم السلام ۳ وأخبار التّاريخ ۴ التي أكّدت أنّ «حيّ على خيرِ العمل» كانت جزءا من الأذان والإقامة في عصر النبيّ صلى الله عليه و آله وخلافة أبي بكر و بداية خلافة عمر ، ثمّ اقتضى اجتهاد عمر بن الخطّاب إلى حذفها من الأذان والإقامة ؛ مستدلّاً بكون هذه الجملة تُولي أهميّة قصوى للصلاة في حياة المسلمين ممّا يثير فيهم دواعي التخلّف عن الجهاد .
من البديهيّ أنّ هذا الاستدلال ليس له نصيب من الصحّة ، لأنّه فضلاً عن عدم صحّة الاجتهاد في مقابل النصّ ، فإنّه لو كان الاعتقاد بأنّ الصلاة خير العمل يؤدّي إلى إضعاف روح الجهاد عند المسلمين ، لَما جعلها الشارع المقدّس جزءا من الأذان والإقامة ، كما أنّ تجربة العصر النبويّ تنقض هذا الاستدلال من الأساس .
إنّ ممّا يجدر ذكره هنا ، هو أنّه جاء في بعض الروايات الواردة في فضل ذكر اللّه سبحانه ودوره في تكامل الإنسان ونجاته من سيّئات الدارين أنّه صلى الله عليه و آله قال:
لَيسَ عَمَلٌ أحَبَّ إلَى اللّه ِ تَعالى ، ولا أنجى لِعَبدٍ مِن كُلِّ سَيِّئَةٍ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ مِن ذِكرِ اللّه ِ .
فقال له أحد أصحابه ـ ولعلّه عمر ـ و قد استعظم ذلك: ولا القتال في سبيل اللّه ؟! قال صلى الله عليه و آله :
لَولا ذِكرُ اللّه ِ لَم يُؤمَر بِالقِتالِ. ۵
إنّ هذا الحديث يشير بوضوح إلى أنّ «خير العمل» ـ أعني الصلاة ـ قد تكون مثارا للاستعظام والاستغراب لدى بعض الصحابة؛ ذلك لأنّ الصلاة هي المصداق الأكمل لذكر اللّه تعالى ، حيث قال سبحانه:
« وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى » . ۶
وقد أكّد الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله في جوابه على الإشكال المتقدّم ذكره في الحديث ، أنّ ذكر اللّه أثمن من الجهاد؛ لأنّ فلسفة الجهاد في ذكر اللّه والارتباط به ، وهذا الارتباط هو الّذي ينجي من أنواع المفاسد الفرديّة والاجتماعيّة ، لقوله تعالى:
« إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنكَرِ وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ » . ۷
وهو الّذي ترافقه سعادة الدارين ، قال تعالى:
« مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ » . ۸
1. راجع : المعجم الكبير : ج ۱ ص ۳۵۲ ح ۱۰۷۱ و كنز العمّال : ج ۸ ص ۳۴۲ ح ۲۳۱۷۴ .
2. راجع : المصنّف لعبد الرزّاق : ج ۱ ص ۴۶۰ ح ۱۷۸۶ وص ۴۶۴ ح ۱۷۹۷ والمصنّف لابن أبي شيبة : ج ۱ ص ۲۴۴ ح ۲ و ۳ والسنن الكبرى : ج ۱ ص ۶۲۴ ح ۱۹۹۱ وص ۶۲۵ ح ۱۹۹۲ ووسائل الشيعة : ج ۴ ص ۶۴۵ ح ۱۲ .
3. راجع : دعائم الإسلام : ج ۱ ص ۱۴۵ و وسائل الشيعة : ج ۴ ص ۶۴۷ ح ۱۶ .
4. راجع : دلائل الصدق : ج ۳ (القسم الثاني) ، ص ۹۹ و الإيضاح : ص ۲۰۲ ـ ۲۰۴ .
5. كنز العمّال : ج ۲ ص ۲۴۳ ح ۳۹۳۱ نقلاً عن ابن صصري في أماليه عن معاذ .
6. طه : ۱۴ .
7. العنكبوت : ۴۵ .
8. النساء : ۱۳۴ .