183
حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد السّادس

ب ـ دور العبادة في انبثاق نور العلم

للعبادات من منظور النصوص الإسلامية دورها الأساسي الّذي تنهض به في انبثاق نور العلم ودوامه ۱ ، من هذا المنطلق لاتهدف الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادات تضعيف العبادة أو إنكار دورها الإيجابي الفاعل الّذي تقوم به إلى جوار العلم ، وإنّما تبتغي التركيز على تقارن العبادة مع العلم وأنّهما توأمان ، ومن ثَمَّ فهي تأتي فيسياق التحذير من العبادة الجاهلة الّتي لا يسندها العلم ، فمثل هذه العبادة لا قيمة لها ، ليس ذلك وحسب ، بل هي منشأ للخطر أيضا .

ج ـ سيرة أهل البيت عليهم السلام

دراسة السيرة العملية لأهل البيت عليهم السلام في ليلة القدر ، وتأمّل اهتمامهم الفائق بالعبادة والذكر في اللّيالى التّاسعة عشرة والحادية والعشرين والثّالثة والعشرين وملاحظة التعاليم الّتي عرضوها ، والوصايا الّتي تركوها من أجل تحقيق أقصى حالات الانتفاع من هذه اللَّيالي ؛ كلّها عوامل تدلل بوضوح على ضرورة إحياء هذه اللَّيالي في التّوجّه إلى العبادة والتّضرّع والذكر والأنس باللّه سبحانه ، ما خلا بعض الموارد الاستثنائية.
على أنَّ هذا لا يعني تعذّر تخصيص جزء من ليلة القدر للتأليف ۲ ، أو تبيين المعارف والعلوم لما يؤدّي إلى رقيالمستوى المعرفي والعلمي للناس ، إنّما المقصود هو التنبيه لعدم الغفلة عن بركات الأنس مع اللّه والانغمار في لذّة التّضرّع بين يديه سبحانه ، بذريعة الاستناد إلى روايات ترجيح العلم على العبادة .

1. راجع : جواهر الحكمة للنَّبيّ الأعظم : (القسم الأوّل / الفصل الثالث : مبادئ الإلهام) والعلم والحكمة في الكتاب والسنّة : (القسم الثالث / الفصل الرابع : مبادئ الإلهام ) .

2. عمد عدد من العلماء الأجلّاء على إنهاء مؤلفاتهم المعروفة في ليلة القدر ، كما حصل للشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر ـ رضوان اللّه عليه ـ الّذي أنهى العمل على كتابه الجليل ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان . وكذلك فعل الحكيم السبزواري الّذي انتهى من وضع مؤلفه في يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان عام ۱۲۶۱ ق . الأمر نفسه نلمسه عند المفسر القرآني البارز العلّامة الطباطبائي الّذي ختم تفسيره القيّم « الميزان في تفسير القرآن » في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة ۱۳۹۲ ق . أمّا بشأن كاتب هذه السطور الّذي يفخر بخدمة أحاديث أهل البيت عليهم السلام والعناية بها ، فقد انتهيت من العمل بكتاب « ميزان الحكمة » في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة ۱۴۰۵ ق ،بفضل اللّه ومنّته .


حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد السّادس
182

۶ . أفضل أعمال ليلة القدر

في سياق بيانه لنوافل ليالي شهر رمضان في المجلس الثالث والتسعين من كتاب « الأمالي » ، وبعد أن ذكر صلاة مِئَة ركعه لليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، عاد شيخ المحدّثين ابن بابويه قدس سرهليقول : « ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل » ۱ .
يبدو أنَّ هذا المطلب مستمدّ من حديث تكلّم فيه النَّبي صلى الله عليه و آله إلى أبي ذرّ ، ذكر فيه بالتفصيل أفضلية العلم وتفوّقه على العبادة ، جاء في آخره :
يا أبا ذَرٍّ الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكرَةِ العِلمِ خَيرٌ لَك مِن عِبادَةِ سَنَةٍ صِيامِ نَهارِها وَقِيامِ لَيلِها . ۲
على أنَّ المدوّنات الروائية تضمّ بالإضافة إلى هذا الحديث عددا كبيرا من الروايات الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام ۳ ،ممّا له دلالة على أنَّ طلب العلم يفوق العبادة ويرجّح عليها بمراتب ، لإضاءة هذه المسألة بالمزيد من الإيضاحات ، من الضروري الانتباه إلى الاُمور التالية :

أ ـ أيّ علم وأيّ عبادة ؟

حسبا للرّؤية الفقهية لعمليّة التّعلم خمسة احكام ، والتأمّل في نصوص الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادة يشيربوضوح ، أنَّ المقصود هو ترجيح التعلّم الواجب أو المستحبّ على العبادات المستحبّة ۴ .

1. الأمالي للصدوق : ص ۷۴۷ .

2. جامع الأخبار : ص ۱۰۹ ح ۱۹۵ ، بحار الأنوار : ج ۱ ص ۲۰۳ ح ۲۱ وراجع : تمام الحديث في المصدر .

3. راجع : العلم والحكمة في الكتاب والسنة : (القسم الخامس / الفصل الثاني : فضل طلب العلم على العبادة ) .

4. راجع: العلم والحكمة في الكتاب والسنّة : (القسم الخامس / الفصل الثاني : تنبيهات حول فضل العلم على العبادة ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد السّادس
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5902
صفحه از 649
پرینت  ارسال به