209
حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد السّابع

۱

موقع الطبّ في القوانين الإسلاميّة

إنّ فلسفة الأحكام والقوانين الإسلاميّة تكامل المجتمع البشريّ مادّيا ومعنويّا ، فالإسلامُ يرى أنّ أعظم النِّعم الإلهيّة هي صحّة البدن ، وأكبر منها صحّة الروح ، وكذلك فإنّ أخطر البلايا مرض البدن ، وأخطر منه مرض الروح .
لقد قال الإمام عليّ عليه السلام في هذا المجال :
إنَّ مِنَ البَلاءِ الفاقَةَ ، وأشَدُّ مِن ذلِكَ مَرَضُ البَدَنِ ، وأشَدُّ مِن ذلِكَ مَرَضُ القَلبِ ، وإنَّ مِنَ النِّعَمِ سِعَةَ المالِ ، وأفضَلُ مِن ذلِكَ صِحَّةُ البَدَنِ ، وأفضَلُ مِن ذلِكَ تَقوَى القُلوبِ . ۱
فإذا كان المرضُ أخطر بلاء ، والصحّةُ أكبر نعمة ، فما منهاج الإسلام ـ الذي يرمي إلى سعادة الإنسان وتكامله ـ لمكافحة الأمراض وضمان سلامة المجتمع؟ وبعبارة اُخرى ، ما موقع الطبّ في الأحكام والقوانين الإسلاميّة؟

موقع الطبّ الوقائيّ في الإسلام

تدلّ دراسة النصوص الإسلاميّة بوضوح على أنّ الطبّ الوقائيّ ، والوقاية من الأمراض ، وضمان سلامة المجتمع هي من الأهداف الأصليّة والحِكَم المهمّة للأحكام الإسلاميّة . وقد بيّن اللّه تعالى أنّ القرآن الكريم ومناهجه النيّرة الرافدة بالحياة توجّه المجتمع إلى طرق ضمان السلامة :
« يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ نَهُ سُبُلَ السَّلَـمِ » . ۲
وهكذا يستطيع الإنسان من خلالِ ارتباطه باللّه تعالى وما بيّنه للحياة من مناهج وسُبل أن يظفر بأعظم النِّعم الإلهيّة ، ولا يضمن سلامته وسعادته لا في الآخرة فحسب ، بل يضمنهما في الدنيا أيضا :
« مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ » . ۳
وعلى هذا الأساس فإنّ ما يشكّل ضررا وخطرا على سلامة الجسد أو الروح فهو حرام أو مكروه ، وإنّ ما يكون لازما ومفيدا لسلامة الإنسان فهو واجب أو راجح ، وإنّ ما ليس فيه نفع أو ضرر للجسد أو الروح فهو مباح ، وهذا يعني: أنّ الطبّ الوقائي محبوك في متن الأحكام الإسلاميّة الخمسة ، وأنّ التطبيق الدقيق للقوانين الربّانيّة في الحياة يستتبع سلامة الجسد والروح . ۴
يقول الإمام الرضا عليه السلام في الحكمة من الأحكام الإلهيّة التي اُحلّت للإنسان أو حُرّمت عليه :
إنّا وَجَدنا كُلَّ ما أحَلَّ اللّه ُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ فَفيهِ صَلاحُ العِبادِ وبَقاؤُهُم ، ولَهُم إلَيهِ الحاجَةُ الَّتي لا يَستَغنونَ عَنها ، ووَجَدنَا المُحَرَّمَ مِنَ الأَشياءِ لا حاجَةَ بِالعِبادِ إلَيهِ ووَجَدناهُ مُفسِدا داعِيا لِلفَناءِ وَالهَلاكِ . ۵
نلاحظ في هذا الكلام أنّ الإمام عليه السلام نصّ على أنّ ما اُحلّ من شرائع كالأكل ، والشرب ، والزواج ، وغيرها أمور يحتاج إليها الناس ؛ لضمان سلامتهم ورفاهيتهم ورخائهم ، وبها تتعلّق مصالح حياتهم وبقائهم ، وعلى العكس فإنّ ما حُرّم عليهم اُمور لايحتاجون إليها ، بل هي مضرّة لسلامتهم ورخائهم ، وتؤدّي إلى هلاكهم وفنائهم .

1. الأمالي للطوسي ، ص ۱۴۶ ، ح ۲۴۰ ، تحف العقول ، ص ۲۰۳ ، بحار الأنوار ، ج ۷۰ ، ص ۵۱ ، ح ۸ .

2. المائدة : ۱۶ .

3. النساء : ۱۳۴ .

4. باستثناء الحالات التى تقتضي فيها الحكمة الإلهيّة مرض الإنسان لأهداف تربويّة. وراجع: موسوعة الأحاديث الطبيّة: ج۱ (القسم الثاني: المرض/ المدخل/ الحكمة من المرض) .

5. علل الشرائع ، ص ۵۹۲ ، بحار الأنوار ، ج ۶۵ ، ص ۱۶۶ ، ح ۵ . وراجع : موسوعة الأحاديث الطبيّة : ج۱ (القسم الأوّل/التداوي بالمحرّمات : ح ۶۵) .


حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد السّابع
208
  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم - المجلّد السّابع
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6157
صفحه از 662
پرینت  ارسال به