وجعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم، ثمّ ينظرون: هل في الظلال أحد؟ وكانت أحياناً تضيء لهم، وأحياناً لا تضيء لهم كما يريدون، فدلّوا القناديل وأنصاف الطنان تشَدّ بالحبال، ثمّ تُجعل فيها النيران، ثمّ تُدَلّى، حتّى تنتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلكفي أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتّى فعلوا ذلك بالظلّة التي فيها المنبر.
فلمّا لم يروا شيئاً أعلموا ابن زياد، ففتح باب السدّة التي في المسجد، ثمّ خرج فصعد المنبر، وخرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة، وأمر عمرو بن نافع فنادى:
ألا برئت الذمّة من رجل من الشرطة والعرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد، فلم يكن له إلاّ ساعة حتّى امتلأ المسجد من الناس، ثمّ أمر مناديه فأقام الصلاة.
فقال الحصين بن تميم: ان شئت صلّيت بالناس، أو يُصلّي بهم غيرك، ودخلت أنت فصلّيت في القصر، فإنّي لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك! فقال: مر حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون، ودُر فيهم فإنّي لست بداخل إذاً، فصلّى بالناس، ثمّ قام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال:
أمّا بعد؛ فإنّ ابن عقيل السفيه الجاهل، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمّة اللّه من رجل وجدناه في داره، ومَن جاء به فله ديته، اتّقوا اللّه عبادَ اللّه، ۵ / ۳۷۳
والزموا طاعتكم وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً. يا حصين بن تميم، ثكلتك اُمّك إن صاح بابُ سكّةٍ من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به! وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غداً واستَبرِ الدور وجُسَّ خلالها حتّى تأتيني بهذا الرجل. وكان الحصين على شرطة، وهو من بني تميم.