قال: فسكت عبيد اللّه بن زياد ونزل عن المنبر فدخل قصر الإمارة.
و سمع بذلك مسلم بن عقيل بقدوم عبيد اللّه بن زياد وكلامه، فكأنّه اتّقى على نفسه، فخرج من الدار التي هو فيها في جوف الليل حتّى أتى دار هانئ بن عروة المذحجي رحمهالله فدخل عليه، فلمّا رآه هانئ قام إليه وقال: ما وراءك جعلت فداك؟
فقال مسلم: ورائي ما علمت، هذا عبيد اللّه بن زياد الفاسق ابن الفاسق قد قدم الكوفة فاتّقيته على نفسي، وقد أقبلت إليك لتجيرني وتأويني حتّى أنظر إلى ما يكون.
فقال له هانئ بن عروة: جعلت فداك! واللّه لقد كلّفتني شططاً! ولولا دخولك داري لأحببت أن تنصرف، غير أنّي أرى ذلك عاراً عليّ أن يكون رجل أتاني مستجيراً، فانزل على بركة اللّه. قال: فنزل مسلم بن عقيل في دار هانئ المذحجي.
و جعل عبيد اللّه بن زياد يسأل عنه فلم يجد من يرشده عليه، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم رحمهالله في دار هانئ ويبايعون للحسين سرّاً، ومسلم بن عقيل يكتب أسماءهم ويأخذ عليهم العهود والمواثيق، لا يركنون ولا يعذرون، حتّى بايع مسلم بن عقيل نيّف وعشرون ألفاً.
۵ / ۴۱
قال: وهمّ مسلم بن عقيل أن يثب إلى عبيد اللّه بن زياد فيمنعه هانئ من ذلك ويقول: لا تعجل؛ فإن العجلة لا خير فيها.
و دعا عبيد اللّه بن زياد بمولى له: يقال له: معقل فقال: هذه ثلاثة آلاف درهم خذها إليك والتمس لي مسلم بن عقيل حيث كان من الكوفة، فإذا عرفت موضعه، فادخل إليه وأعلمه أنّك من شيعته وعلى مذهبه، وادفع إليه هذه الثلاثة آلاف درهم وقل له: استعن بهذه على عدوّك، فإنّك إذا دفعت إليه الثلاثة آلاف درهم وثق بناحيتك واطمأنّ عليك، ولم يكتمك من أمره شيئاً، وفي غداة غد تعدو