لا يصلح لك الجلوس على بابي، ولا اُحلّه لك.
فقام وقال: يا أمة اللّه، ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لكِ في أجر ومعروف، لعلّي مكافئك بعد اليوم؟
فقالت: يا عبداللّه، وما ذاك؟
قال: أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤاء القوم وغرّوني وأخرجوني، قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم، قالت: ادخل، فدخل بيتاً في دارها غير البيت الذي تكون فيه، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعشَّ.
ولم يكن بأسرع أن جاء ابنها، فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه، فقال لها: واللّه، إنّه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه، إنّ لك لشأناً؟
قالت: يا بني، إِلْهَ عن هذا، قال: واللّه، لتخبرينني، قالت: أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء.
فألحّ عليها، فقالت: يا بني، لا تخبرنَّ أحداً من الناس بشيء ممّا اُخبرك به، قال: نعم، فأخذت عليه الأيمان فحلف لها، فأخبرته فاضطجع وسكت.
ولمّا تفرق الناس عن مسلم بن عقيل طال على ابن زياد، وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمع قبل ذلك، قال لأصحابه: أشرفوا فانظروا، هل ترون منهم أحداً؟ فأشرفوا فلم يروا أحداً، قال: فانظروا لعلّهم تحت الظلال وقد ۲ / ۵۶
كمنوا لكم، فنزعوا تخاتج المسجد، وجعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم وينظرون، فكانت أحياناً تضيء لهم وأحيانا لا تضيء كما يريدون، فدلّوا القناديل وأطنان القصب تشدّ بالحبال، ثمّ تجعل فيها النيران، ثمّ تدلى حتّى تنتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتّى فعل ذلك