أقبلت، وقد أعطى اللّهَ الأميرُ عهداً: لئن تَمَّمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذرّيّتكم العطاء، ويفرّق مقاتلتكم في مغازي الشام، وأن يأخذ البريء ۲ / ۵۴
بالسقيم والشاهد بالغائب، حتّى لا تبقى له بقيّة من أهل المعصية إلاّ أذاقها وبال ما جنت أيديها.
وتكلّم الأشراف بنحو من ذلك.
فلمّا سمع الناس مقالهم أخذوا يتفرّقون، وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول: غداً يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب والشرّ؟ انصرف، فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى ابن عقيل وصلّى المغرب وما معه إلاّ ثلاثون نفساً في المسجد.
فلمّا رأى أنّه قد أمسى وما معه إلاّ اُولئك النفر، خرج من المسجد متوجّهاً نحو أبواب كندة، فما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة، ثمّ خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان، فالتفت فإذا هو لا يحسّ أحداً يدلّه على الطريق، ولا يدلّه على منزله، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدوّ.
فمضى على وجهه متلدّداً في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب، حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة، فمشى حتّى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة اُمّ ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها، فتزوّجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالاً، وكان بلال قد خرج مع الناس فاُمّه قائمة تنتظره فسلّم عليها ابن عقيل، فردّت عليه، فقال لها: يا أمة اللّه، اسقيني ماء، فسقته وجلس، وأدخلت الإناء ثمّ خرجت فقالت: يا عبداللّه، ألم تشرب ؟ قال: بلى، قالت: فاذهب إلى أهلك، فسكت، ثمّ أعادت مثل ذلك، فسكت.
۲ / ۵۵
ثمّ قالت له في الثالثة: سبحان اللّه! يا عبداللّه، قم عافاك اللّه إلى أهلك فإنّه