المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ، فأعطاه من ذلك ما رضي به، ثمّ قال له: اختلف إليَّ أياماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك. فأخذ يختلف مع الناس، فطلب له الإذن فأذن له، فأخذ مسلم بن عقيل رضىاللهعنه بيعته، وأمر أبا ثمامة الصائدي فقبض المال منه، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضاً، ويشتري لهم السلاح، وكان بصيراً ومن فرسان العرب ووجوه الشيعة. وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم، وهو أوّل داخل وآخر خارج، حتّى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم، وكان يخبره به وقتاً فوقتاً.
وخاف هانئ بن عروة عبيدَ اللّه بن زياد على نفسه، فانقطع من حضور مجلسه ۲ / ۴۷
وتمارض، فقال ابن زياد لجلسائه: ما لي لا أرى هانئاً؟ فقالوا: هو شاكٍ. فقال: لو علمت بمرضه لعدته، ودعا محمّد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجّاج الزبيدي، وكانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة، وهي اُمّ يحيى بن هانئ، فقال لهم: ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ فقالوا: ما ندري وقد قيل إنّه يشتكي، قال: قد بلغني أنّه قد برئ وهو يجلس على باب داره، فألقوه ومروه ألاّ يدع ما عليه من حقّنا، فإنّي لا اُحبّ أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.
فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة وهو جالس على بابه، فقالوا: ما يمنعك من لقاء الأمير، فإنّه قد ذكرك وقال: لو أعلم أنّه شاكٍ لعدته؟
فقال لهم: الشكوى تمنعني، فقالوا له: قد بلغه أنّك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك، وقد استبطأك، والإبطاء والجفاء لا يحتمله السلطان، أقسمنا عليك لمّا ركبت معنا.
فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلته فركبها، حتّى إذا دنا من القصر كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذي كان، فقال لحسّان بن أسماء بن خارجة: يا ابن أخي، إنّي