فقال: يا بن الأشعث، أما واللّه، لولا أنّك آمنتني ما استسلمت، قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمّتك، ثمّ قال: يا بن زياد، أما واللّه، لو كانت بيني وبينك قرابة ما قتلتني!
ثمّ قال ابن زياد:
أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف وعاتقه؟ فدعي.
فقال: اصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به وهو يكبّر ويستغفر ويصلّي على ملائكة اللّه ورسله، وهو يقول: اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وأذلّونا، وأشرف به على موضع الجزّارين اليوم، فَضُرِبت عُنقُه، وأتبع جسده رأسه.
قال أبو مخنف: حدّثني الصقعب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة، قال: نزل الأحمري بكير بن حمران الذي قتل مسلماً، فقال له ابن زياد: قَتَلتَهُ؟ قال: نعم، قال: فما كان يقول وأنتم تصعدون به؟ قال: كان يكبّر ويسبّح ويستغفر، فلمّا أدنيته لأقتله قال: اللّهمّ احكم بيننا و بين قوم كذّبونا وغرّونا وخَذَلُونا وقَتَلُونا، فقلت له: ادن منّي، الحمد للّه الذي أقادني منك، فضربته ضربة لم تغنِ شيئاً، فقال: أما ترى في خدشٍ تخدشنيه وفاء من دمك أيّها العبد؟
فقال ابن زياد: أو فخراً عند الموت؟! قال: ثمّ ضربته الثانية فقتلته.
قال: وقام محمّد بن الأشعث إلى عبيد اللّه بن زياد فكلّمه في هانئ بن عروة، وقال: إنّك قد عرفت منزلة هانئ بن عروة في المصر، وبيته في العشيرة، وقد علم قومه أنّي وصاحبي سُقناه إليك، فأنشدك اللّه لمّا وهبته لي، فإنّي أكره عداوة قومه، هم أعزّ أهل المصر، وعدد أهل اليمن.
قال: فوعده أن يفعل، فلمّا كان من أمر مسلم بن عقيل ما كان بدا له فيه، وأبى أن يفي له بما قال.