815
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

فَلَمّا رَأى‏ ذلِكَ عُروَةُ بنُ قَيسٍ - وهُوَ عَلى‏ خَيلِ أهلِ الكوفَةِ - بَعَثَ إلى‏ عُمَرَ بنِ سَعدٍ : أما تَرى‏ ما تَلقى‏ خَيلي مُنذُ اليَومِ مِن هذِهِ العِدَّةِ اليَسيرَةِ ؟ اِبعَث إلَيهِمُ الرِّجالَ وَالرُّماةَ ، فَبَعَثَ عَلَيهِم بِالرُّماةِ ، فَعُقِرَ بِالحُرِّ بنِ يَزيدَ فَرَسُهُ ، فَنَزَلَ عَنهُ ، وجَعَلَ يَقولُ :

إن تَعقِروا بي فَأَنَا ابنُ الحُرِّأشجَعُ مِن ذي لِبَدٍ ۱ هِزَبرِ ۲
ويَضرِبُهُم بِسَيفِهِ ، وتَكاثَروا عَلَيهِ ، فَاشتَرَكَ في قَتلِهِ أيّوبُ بنُ مُسَرِّحٍ ورَجُلٌ آخَرُ مِن فُرسانِ أهلِ الكوفَةِ .
وقاتَلَ أصحابُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام القَومَ أشَدَّ قِتالٍ حَتَّى انتَصَفَ النَّهارُ ، فَلَمّا رَأَى الحُصَينُ بنُ نُمَيرٍ - وكانَ عَلَى الرُّماةِ - صَبرَ أصحابِ الحُسَينِ عليه السلام ، تَقَدَّمَ إلى‏ أصحابِهِ - وكانوا خَمسَمِئَةِ نابِلٍ - أن يَرشُقوا أصحابَ الحُسَينِ عليه السلام بِالنَّبلِ ، فَرَشَقوهُم ، فَلَم يَلبَثوا أن عَقَروا خُيولَهُم ، وجَرَحُوا الرِّجالَ وأرجَلوهُم ، وَاشتَدَّ القِتالُ بَينَهُم ساعَةً .
وجاءَهُم شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ في أصحابِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيهِم زُهَيرُ بنُ القَينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في عَشَرَةِ رِجالٍ مِن أصحابِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَكَشَفَهُم عَنِ البُيوتِ ، وعَطَفَ عَلَيهِم شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ ، فَقَتَلَ مِنَ القَومِ ، ورَدَّ الباقينَ إلى‏ مَواضِعِهِم ، وأنشَأَ زُهَيرُ بنُ القَينِ يَقولُ مُخاطِباً لِلحُسَينِ عليه السلام :

اليَومَ نَلقى‏ جَدَّكَ النَّبِيّاوحَسَناً وَالمُرتَضى‏ عَلِيّاً
وذَا الجَناحَينِ الفَتَى الكَمِيّا ۳
وكانَ القَتلُ يَبينُ في أصحابِ الحُسَينِ عليه السلام ؛ لِقِلَّةِ عَدَدِهِم ، ولا يَبينُ في أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ ؛ لِكَثرَتِهِم ، وَاشتَدَّ القِتالُ وَالتَحَمَ ، وكَثُرَ القَتلُ وَالجِراحُ في أصحابِ أبي عَبدِ اللَّهِ

1.يقال لزبرة الأسد : لِبدة ؛ وهي الشعر المتراكب بين كتفيه . والأسد ذو لبدة (الصحاح : ج ۲ ص ۵۳۳ «لبد») .

2.الهِزَبْر : من أسماء الأسد (لسان العرب : ج ۵ ص ۲۶۳ «هزبر») .

3.الكَمِيّ : الشجاع أو لابس السلاح (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۳۸۳ «كمي») .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
814

فَصاحَ النِّساءُ ، وخَرَجنَ مِنَ الفُسطاطِ .
قالَ : وصاحَ بِهِ الحُسَينُ عليه السلام : يَا بنَ ذِي الجَوشَنِ ! أنتَ تَدعو بِالنّارِ لِتُحَرِّقَ بَيتي عَلى‏ أهلي ؟ حَرَّقَكَ اللَّهُ بِالنّارِ !
قالَ أبو مِخنَفٍ : حَدَّثَني سُلَيمانُ بنُ أبي راشِدٍ عَن حُمَيدِ بنِ مُسلِمٍ ، قالَ : قُلتُ لِشِمرِ بنِ ذِي الجَوشَنِ : سُبحانَ اللَّهِ ! إنَّ هذا لا يَصلُحُ لَكَ ، أتُريدُ أن تَجمَعَ عَلى‏ نَفسِكَ خَصلَتَينِ ، تُعَذِّبُ بِعَذابِ اللَّهِ ، وتَقتُلُ الوِلدانَ وَالنِّساءَ ! وَاللَّهِ ، إنَّ في قَتلِكَ الرِّجالَ لَما تُرضي بِهِ أميرَكَ .
قالَ : فَقالَ : مَن أنتَ ؟ قالَ : قُلتُ : لا اُخبِرُكَ مَن أنَا . قالَ : وخَشيتُ وَاللَّهِ ، أن لَو عَرَفَني أن يَضُرَّني عِندَ السُّلطانِ .
قالَ : فَجاءَهُ رَجُلٌ كانَ أطوَعَ لَهُ مِنّي ، شَبَثُ بنُ رِبعِيٍّ ، فَقالَ : ما رَأَيتُ مَقالاً أسوَأَ مِن قَولِكَ ، ولا مَوقِفاً أقبَحَ مِن مَوقِفِكَ ، أمُرعِباً لِلنِّساءِ صِرتَ؟ قالَ : فَأَشهَدُ أنَّهُ استَحيا ، فَذَهَبَ لِيَنصَرِفَ ، وحَمَلَ عَلَيهِ زُهَيرُ بنُ القَينِ في رِجالٍ مِن أصحابِهِ عَشَرَةٍ ، فَشَدَّ عَلى‏ شِمرِ بنِ ذِي الجَوشَنِ وأصحابِهِ ، فَكَشَفَهُم عَنِ البُيوتِ حَتَّى ارتَفَعوا عَنها ، فَصَرَعوا أبا عَزَّةَ الضِّبابِيَّ فَقَتَلوهُ ، فَكانَ مِن أصحابِ شِمرٍ ، وتَعَطَّفَ النّاسُ عَلَيهِم فَكَثَروهُم ، فَلا يَزالُ الرَّجُلُ مِن أصحابِ الحُسَينِ عليه السلام قَد قُتِلَ ، فَإِذا قُتِلَ مِنهُمُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ تَبَيَّن فيهِم ، واُولئِكَ كَثيرٌ لا يَتَبَيَّنُ فيهِم ما يُقتَلُ مِنهُم . ۱

۸۸۵.الإرشاد : تَراجَعَ القَومُ إلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَحَمَلَ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ لَعَنَهُ اللَّهُ عَلى‏ أهلِ المَيسَرَةِ ، فَثَبَتوا لَهُ فَطاعَنوهُ ، وحُمِلَ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام وأصحابِهِ مِن كُلِّ جانِبٍ ، وقاتَلَهُم أصحابُ الحُسَينِ عليه السلام قِتالاً شَديداً ، فَأَخَذَت خَيلُهُم تَحمِلُ ، وإنَّما هِيَ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً ، فَلا تَحمِل عَلى‏ جانِبٍ مِن خَيلِ الكوفَةِ إلّا كَشَفَتهُ .

1.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۳۸ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۶۷ نحوه ، المنتظم : ج ۵ ص ۳۴۰ وفيه صدره إلى «بالنار» وراجع : الملهوف : ص ۱۷۳ و بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۵۴ .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8708
صفحه از 850
پرینت  ارسال به