مَغشِيّاً عَلَيها .
فَقامَ إلَيهَا الحُسَينُ عليه السلام ، فَصَبَّ عَلى وَجهِهَا الماءَ ، وقالَ لَها : يا اُخَيَّةُ ، اتَّقِي اللَّهَ وتَعَزَّي بِعَزاءِ اللَّهِ ، وَاعلَمي أنَّ أهلَ الأَرضِ يَموتونَ ، وأنَّ أهلَ السَّماءِ لا يَبقَونَ ، وأنَّ كُلَّ شَيءٍ هالِكٌ إلّا وَجهَ اللَّهِ الَّذي خَلَقَ الأَرضَ بِقُدرَتِهِ ، ويَبعَثُ الخَلقَ فَيَعودونَ ، وهُوَ فَردٌ وَحدَهُ ، أبي خَيرٌ مِنّي ، واُمّي خَيرٌ مِنّي ، وأخي خَيرٌ مِنّي ، ولي ولَهُم ولِكُلِّ مُسلِمٍ بِرَسولِ اللَّهِ اُسوَةٌ .
قالَ : فَعَزّاها بِهذا ونَحوِهِ ، وقالَ لَها : يا اُخَيَّةُ ، إنّي اُقسِمُ عَلَيكِ فَأَبِرِّي قَسَمي ، لا تَشُقّي عَلَيَّ جَيباً، ولا تَخمُشي عَلَيَّ وَجهاً، ولا تَدعي عَلَيَّ بِالوَيلِ وَالثُّبورِ إذا أنَا هَلَكتُ .
قالَ : ثُمَّ جاءَ بِها حَتّى أجلَسَها عِندي ، وخَرَجَ إلى أصحابِهِ ، فَأَمَرَهُم أن يُقَرِّبوا بَعضَ بُيوتِهِم مِن بَعضٍ ، وأن يُدخِلُوا الأَطنابَ ۱ بَعضَها في بَعضٍ ، وأن يَكونوا هُم بَينَ البُيوتِ إلَّا الوَجهَ الَّذي يَأتيهِم مِنهُ عَدُوُّهُم . ۲
۸۳۰.مقاتل الطالبيّين عن الحرث بن كعب عن عليّ بن الحسين [زين العابدين] عليه السلام : إنّي وَاللَّهِ لَجالِسٌ مَعَ أبي في تِلكَ اللَّيلَةِ ، وأنَا عَليلٌ ، وهُوَ يُعالِجُ سِهاماً لَهُ ، وبَينَ يَدَيهِ جَونٌ مَولى أبي ذَرٍّ الغِفارِيِّ ، إذِ ارتَجَزَ الحُسَينُ عليه السلام :
يا دَهرُ اُفٍّ لَكَ مِن خَليلِكَم لَكَ بِالإِشراقِ وَالأَصيلِ
مِن صاحِبٍ و ماجِدٍ قَتيلِوَالدَّهرُ لا يَقنَعُ بِالبَديلِ
وَالأَمرُ في ذاكَ إلَى الجَليلِوكُلُّ حَيٍّ سالِكُ السَّبيلِ
قالَ : وأمّا أنَا فَسَمِعتُهُ ورَدَدتُ عَبرَتي .
وأمّا عَمَّتي فَسَمِعَتهُ دونَ النِّساءِ ، فَلَزِمَتهَا الرِّقَّةُ وَالجَزَعُ ، فَشَقَّت ثَوبَها ، ولَطَمَت وَجهَها ، وخَرَجَت حاسِرَةً تُنادي : وَاثُكلاه ! واحُزناه ! لَيتَ المَوتَ أعدَمَنِي الحَياةَ ، يا حُسَيناه! يا سَيِّداه ! يا بَقِيَّةَ أهلِ بَيتاه ! استَقَلتَ ۳ ويَئِستَ مِنَ الحَياةِ ، اليَومَ ماتَ جَدّي رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله واُمّي فاطِمَةُ الزَّهراءُ وأبي عَلِيٌّ وأخِي الحَسَنُ ! يا بَقِيَّةَ الماضينَ وثِمالَ الباقينَ .
فَقالَ لَها الحُسَينُ عليه السلام : يا اُختي! لَو تُرِكَ القَطا لَنامَ .
قالَت : فَإِنَّما تُغتَصَبُ نَفسُكَ اغتِصاباً ، فَذاكَ أطوَلُ لِحُزني ، وأشجى لِقَلبي ! وخَرَّت مَغشِيّاً عَلَيها ، فَلَم يَزَل يُناشِدُها ، وَاحتَمَلَها حَتّى أدخَلَهَا الخِباءَ . ۴
1.الطَنَبُ : حبل الخباء ، والجمع أطناب (الصحاح : ج ۱ ص ۱۷۲ «طنب») .
2.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۲۰ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۵۹ ، المنتظم : ج ۵ ص ۳۳۸ كلاهما من دون إسنادٍ إلى أحدٍ من أهل البيت عليهم السلام ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۷۷ ؛ الإرشاد : ج ۲ ص ۹۳ ، تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۲۴۳ وليس فيه ذيله من «فأمرهم» ، إعلامالورى : ج ۱ ص ۴۵۶ كلّها نحوه ، روضة الواعظين : ص ۲۰۳ وليس فيه ذيله من «فأمّا عمّتي» ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱ وراجع : تذكرة الخواصّ : ص ۲۴۹ والأمالي للشجري : ج ۱ ص ۱۷۷ .
3.كذا في المصدر ، والظاهر أنّ الصواب : «استقتَلتَ» ، كما في بعض النقول .
4.مقاتل الطالبيّين : ص ۱۱۳ .