667
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

أيُّهَا النّاسُ ! إنَّها مَعذِرَةٌ إلَى اللَّهِ وإلى‏ مَن حَضَرَ مِنَ المُسلِمينَ ، إنّي لَم أقدَم عَلى‏ هذَا البَلَدِ حَتّى‏ أتَتني كُتُبُكُم ، وقَدِمَت عَلَيَّ رُسُلُكُم أنِ اقدَم إلَينا إنَّهُ لَيسَ عَلَينا إمامٌ ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أن يَجمَعَنا بِكَ عَلَى الهُدى‏ . فَإِن كُنتُم عَلى‏ ذلِكَ فَقَد جِئتُكُم ، فَإِن تُعطوني ما يَثِقُ بِهِ قَلبي مِن عُهودِكُم ومِن مَواثيقِكُم دَخَلتُ مَعَكُم إلى‏ مِصرِكُم ، وإن لَم تَفعَلوا وكُنتُم كارِهينَ لِقُدومي عَلَيكُمُ ، اِنصَرَفتُ إلى‏ المَكانِ الَّذي أقبَلتُ مِنهُ إلَيكُم .
قالَ : فَسَكَتَ القَومُ عَنهُ ولَم يُجيبوا بِشَي‏ءٍ ، وأمَرَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ بِخَيمَةٍ لَهُ فَضُرِبَت ، فَدَخَلَها وجَلَسَ فيها . فَلَم يَزَلِ الحُسَينُ عليه السلام واقِفاً مُقابِلَهُم وكُلُّ واحِدٍ مِنهُم آخِذٌ بِعِنانِ فَرَسِهِ... .
قالَ : ودَنَت صَلاةُ العَصرِ فَأَمَرَ الحُسَينُ عليه السلام مُؤَذِّنَهُ فَأَذَّنَ وأقامَ الصَّلاةَ ، وتَقَدَّمَ الحُسَينُ عليه السلام فَصَلّى‏ بِالعَسكَرَينِ، فَلَمّا انصَرَفَ مِن صَلاتِهِ وَثَبَ قائِماً عَلى‏ قَدَمَيهِ، فَحَمِدَاللَّهَ وأثنى‏ عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ:
أيُّهَا النّاسُ ! أنَا ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ونَحنُ أولى‏ بِوِلايَةِ هذِهِ الاُمورِ عَلَيكُم مِن هؤُلاءِ المُدَّعينَ ما لَيسَ لَهُم ، وَالسّائِرينَ فيكُم بِالظُّلمِ وَالعُدوانِ ، فَإِن تَثِقوا بِاللَّهِ وتَعرِفُوا الحَقَّ لِأَهلِهِ فَيَكونُ ذلِكَ للَّهِ‏ِ رِضىً ، وإن كَرِهتُمونا وجَهِلتُم حَقَّنا ، وكانَ رَأيُكُم عَلى‏ خِلافِ ما جاءَت بِهِ كُتُبُكُم ، وقَدِمَت بِهِ رُسُلُكُم ، اِنصَرَفتُ عَنكُم .
قالَ : فَتَكَلَّمَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ بَينَهُ وبَينَ أصحابِهِ ، فَقالَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! ما نَعرِفُ هذِهِ الكُتُبَ ، ولا مَن هؤُلاءِ الرُّسُلُ ؟
قالَ : فَالتَفَتَ الحُسَينُ عليه السلام إلى‏ غُلامٍ لَهُ يُقالُ لَهُ : عُقبَةُ بنُ سَمعانَ ، فَقالَ : يا عُقبَةُ ! هاتِ الخُرجَينِ اللَّذَينِ فيهِمَا الكُتُبُ ، فَجاءَ عُقبَةُ بِكُتُبِ أهلِ الشّامِ ۱ وَالكوفَةِ ، فَنَثَرَها بَينَ أيديهِم ثُمَّ تَنَحّى‏ ، فَتَقَدَّموا ونَظَروا إلى‏ عُنوانِها ، ثُمَّ تَنَحَّوا .
فَقالَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! لَسنا مِنَ القَومِ الَّذينَ كَتَبوا إلَيكَ هذِهِ الكُتُبَ ، وقَد

1.ليس في سائر المصادر الإشارة إلى أهل الشام ، والظاهر أنّه الصواب .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
666

۷۱۰.الفتوح - في ذِكرِ ماجَرى‏ بَينَ الإِمامِ وبَينَ الحُرِّ بنِ يَزيدَ الرِّياحِيِّ - : وإذَا الحُرُّ بنُ يَزيدَ في ألفِ فارِسٍ مِن أصحابِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، شاكينَ فِي السِّلاحِ ، لا يُرى‏ مِنهُم إلّا حَماليقُ الحَدَقِ ۱ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِمُ الحُسَينُ عليه السلام وَقَفَ في أصحابِهِ ، ووَقَفَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ في أصحابِهِ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : أيُّهَا القَومُ ! مَن أنتُم ؟ قالوا : نَحنُ أصحابُ الأَميرِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : ومَن قائِدُكُم ؟ قالوا : الحُرُّ بنُ يَزيدَ الرِّياحِيُّ .
قالَ : فَناداهُ الحُسَينُ عليه السلام : وَيحَكَ يَابنَ يَزيدَ ! ألَنا أم عَلَينا ؟ فَقالَ الحُرُّ : بَل عَلَيكَ أبا عَبدِ اللَّهِ !
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ .
قالَ : ودَنَت صَلاةُ الظُّهرِ ، فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحَجّاجِ بنِ مَسروقٍ : أذِّن - رَحِمَكَ اللَّهُ - وأقِمِ الصَّلاةَ حَتّى‏ نُصَلِّيَ ! قالَ : فَأَذَّنَ الحَجّاجُ ، فَلَمّا فَرَغَ مِن أذانِهِ صاحَ الحُسَينُ عليه السلام بِالحُرِّ بنِ يَزيدَ فَقالَ لَهُ : يَابنَ يَزيدَ ! أتُريدُ أن تُصَلِّيَ بِأَصحابِكَ واُصَلِّيَ بِأَصحابي ؟
فَقالَ لَهُ الحُرُّ : بَل أنتَ تُصَلّي بِأَصحابِكَ ونُصَلّي بِصَلاتِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحَجّاجِ بنِ مَسروقٍ : أقِمِ الصَّلاةَ ! فَأَقامَ ، وتَقَدَّمُ الحُسَينُ عليه السلام فَصَلّى‏ بِالعَسكَرَينِ جَميعاً . فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ وَثَبَ قائِماً ، فَاتَّكَأَ عَلى‏ قائِمَةِ سَيفِهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى‏ عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :

1.حِملاق العين : باطن أجفانها الذي يُسوّد بالكحلة ، أو ما غطّته الأجفان من بياض المُقلة ... والجمع : حَماليقُ . والحَدَقَة: سواد العين ، والجمع : حَدَقٌ (القاموس المحيط : ج ۳ ص ۲۲۴ «حملق» وص ۲۱۹ «حدق») . والمراد أنّه لا يُرى‏ منهم سوى عيونهم ؛ لما لبسوه من لباس حرب ، ولكثرة ما عليهم من سلاح وأعتدة .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11953
صفحه از 850
پرینت  ارسال به