أيُّهَا النّاسُ ! إنَّها مَعذِرَةٌ إلَى اللَّهِ وإلى مَن حَضَرَ مِنَ المُسلِمينَ ، إنّي لَم أقدَم عَلى هذَا البَلَدِ حَتّى أتَتني كُتُبُكُم ، وقَدِمَت عَلَيَّ رُسُلُكُم أنِ اقدَم إلَينا إنَّهُ لَيسَ عَلَينا إمامٌ ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أن يَجمَعَنا بِكَ عَلَى الهُدى . فَإِن كُنتُم عَلى ذلِكَ فَقَد جِئتُكُم ، فَإِن تُعطوني ما يَثِقُ بِهِ قَلبي مِن عُهودِكُم ومِن مَواثيقِكُم دَخَلتُ مَعَكُم إلى مِصرِكُم ، وإن لَم تَفعَلوا وكُنتُم كارِهينَ لِقُدومي عَلَيكُمُ ، اِنصَرَفتُ إلى المَكانِ الَّذي أقبَلتُ مِنهُ إلَيكُم .
قالَ : فَسَكَتَ القَومُ عَنهُ ولَم يُجيبوا بِشَيءٍ ، وأمَرَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ بِخَيمَةٍ لَهُ فَضُرِبَت ، فَدَخَلَها وجَلَسَ فيها . فَلَم يَزَلِ الحُسَينُ عليه السلام واقِفاً مُقابِلَهُم وكُلُّ واحِدٍ مِنهُم آخِذٌ بِعِنانِ فَرَسِهِ... .
قالَ : ودَنَت صَلاةُ العَصرِ فَأَمَرَ الحُسَينُ عليه السلام مُؤَذِّنَهُ فَأَذَّنَ وأقامَ الصَّلاةَ ، وتَقَدَّمَ الحُسَينُ عليه السلام فَصَلّى بِالعَسكَرَينِ، فَلَمّا انصَرَفَ مِن صَلاتِهِ وَثَبَ قائِماً عَلى قَدَمَيهِ، فَحَمِدَاللَّهَ وأثنى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ:
أيُّهَا النّاسُ ! أنَا ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ونَحنُ أولى بِوِلايَةِ هذِهِ الاُمورِ عَلَيكُم مِن هؤُلاءِ المُدَّعينَ ما لَيسَ لَهُم ، وَالسّائِرينَ فيكُم بِالظُّلمِ وَالعُدوانِ ، فَإِن تَثِقوا بِاللَّهِ وتَعرِفُوا الحَقَّ لِأَهلِهِ فَيَكونُ ذلِكَ للَّهِِ رِضىً ، وإن كَرِهتُمونا وجَهِلتُم حَقَّنا ، وكانَ رَأيُكُم عَلى خِلافِ ما جاءَت بِهِ كُتُبُكُم ، وقَدِمَت بِهِ رُسُلُكُم ، اِنصَرَفتُ عَنكُم .
قالَ : فَتَكَلَّمَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ بَينَهُ وبَينَ أصحابِهِ ، فَقالَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! ما نَعرِفُ هذِهِ الكُتُبَ ، ولا مَن هؤُلاءِ الرُّسُلُ ؟
قالَ : فَالتَفَتَ الحُسَينُ عليه السلام إلى غُلامٍ لَهُ يُقالُ لَهُ : عُقبَةُ بنُ سَمعانَ ، فَقالَ : يا عُقبَةُ ! هاتِ الخُرجَينِ اللَّذَينِ فيهِمَا الكُتُبُ ، فَجاءَ عُقبَةُ بِكُتُبِ أهلِ الشّامِ ۱ وَالكوفَةِ ، فَنَثَرَها بَينَ أيديهِم ثُمَّ تَنَحّى ، فَتَقَدَّموا ونَظَروا إلى عُنوانِها ، ثُمَّ تَنَحَّوا .
فَقالَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! لَسنا مِنَ القَومِ الَّذينَ كَتَبوا إلَيكَ هذِهِ الكُتُبَ ، وقَد