633
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

فَقالَ : صَدَقتَ وبَرَرتَ . إنَّ الأَمرَ للَّهِ‏ِ يَفعَلُ ما يَشاءُ ، ورَبُّنا تَعالى‏ كُلَّ يَومٍ هُوَ في شَأنٍ ، فَإِن نَزَلَ القَضاءُ بِما نُحِبُّ فَالحَمدُ للَّهِ‏ِ عَلى‏ نَعمائِهِ ، وهُوَ المُستَعانُ عَلى‏ أداءِ الشُّكرِ ، وإن حالَ القَضاءُ دونَ الرَّجاءِ ، فَلَم يَعتَدِ مَن كانَ الحَقَّ نِيَّتُهُ .
فَقالَ الفَرَزدَقُ : يَابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ ! كَيفَ تَركَنُ إلى‏ أهلِ الكوفَةِ ، وهُم قَد قَتَلُوا ابنَ عَمِّكَ مُسلِمَ بنَ عَقيلٍ وشيعَتَهُ ؟
قالَ : فَاستَعبَرَ الحُسَينُ عليه السلام بِالبُكاءِ ، ثُمَّ قالَ : رَحِمَ اللَّهُ مُسلِماً ، فَلَقَد صارَ إلى‏ رَوحِ اللَّهِ ورَيحانِهِ ، وجَنَّتِهِ ورِضوانِهِ ، أما إنَّهُ قَد قَضى‏ ما عَلَيهِ ، وبَقِيَ ما عَلَينا .
قالَ : ثُمَّ أنشَأَ الحُسَينُ عليه السلام يَقولُ :

وإن تَكُنِ الدُّنيا تُعَدُّ نَفيسَةًفَدارُ ثَوابِ اللَّهِ أعلى‏ وأنبَلُ‏
وإن تَكُنِ الأَبدانُ لِلمَوتِ اُنشِئَت‏فَقَتلُ امرِىً بِالسَّيفِ فِي اللَّهِ أفضَلُ‏
وإن تَكُنِ الأَرزاقُ رِزقاً مُقَدَّراًفَقِلّةُ حِرصِ المَرءِ فِي‏الرِّزقِ أجمَلُ‏
وإن تَكُنِ الأَموالُ لِلتَّركِ جَمعُهافَما بالُ مَتروكٍ بِهِ الخَيرُ يُبخَلُ‏
قالَ : ثُمَّ وَدَّعَهُ الفَرَزدَقُ في نَفَرٍ مِن أصحابِهِ ، ومَضى‏ يُريدُ مَكَّةَ ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ ابنُ عَمٍّ لَهُ مِن بَني مُجاشِعٍ ، فَقالَ : أبا فِراسٍ ! هذَا الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام .
فَقالَ الفَرَزدَقُ : هذَا الحُسَينُ ابنُ فاطِمَةَ الزَّهراءِ بِنتِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، هذا وَاللَّهِ ابنُ خيرَةِ اللَّهِ ، وأفضَلُ مَن مَشى‏ عَلى‏ وَجهِ الأَرضِ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وقَد كُنتُ قُلتُ فيهِ أبياتاً قَبلَ اليَومِ ، فَلا عَلَيكَ أن تَسمَعَها .
فَقالَ لَهُ ابنُ عَمِّهِ : ما أكرَهُ ذلِكَ يا أبا فِراسٍ ، فَإِن رَأَيتَ أن تُنشِدَني ما قُلتَ فيهِ .
فَقالَ الفَرَزدَقُ : نَعَم ، أنَا القائِلُ فيهِ وفي أبيهِ وأخيهِ وجَدِّهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِم هذِهِ الأَبياتِ ۱ :
هذَا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ‏وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ‏
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ‏هذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطّاهِرُ العَلَمُ‏
هذا حُسَينٌ رَسولُ اللَّهِ والِدُهُ‏أمسَت بِنورِ هُداهُ تَهتَدِي الاُمَمُ‏
هذَا ابنُ فاطِمَةَ الزَّهراءِ عِترَتُهافي جَنَّةِ الخُلدِ مَجرِيّاً بِهَا القَلَمُ‏
إذا رَأَتهُ قُرَيشٌ قالَ قائِلُهاإلى‏ مَكارِمِ هذا يَنتَهِي الكَرَمُ‏
يَكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ راحَتِهِ‏رُكنُ الحَطيمِ إذا ما جاءَ يَستَلِمُ‏
بِكَفِّهِ خَيزُرانٌ ريحُهُ عَبِقٌ‏بِكَفِّ أروَعَ في عِرنينِهِ ۲ شَمَمُ‏
يُغضي حَياءً ويُغضي مِن مَهابَتِهِ‏فَلا يُكَلِّمُ إلّا حينَ يَبتَسِمُ‏
يَنشَقُّ نورُ الدُّجى‏ عَن نورِ غُرَّتِهِ‏كَالشَّمسِ تَنجابُ عَن‏إشراقِهَا الظُّلَمُ‏
مُشتَقَّةٌ مِن رَسولِ اللَّهِ نَبعَتُهُ‏طابَت أرومَتُهُ وَالخيمُ والشِّيَمُ‏
في مَعشَرٍ حُبُّهُم شُكرٌ وبُغضُهُمُ‏كُفرٌ وقُربُهُم مَنجى‏ ومُعتَصَمُ‏
يُستَدفَعُ الضُّرُّ وَالبَلوى‏ بِحُبِّهِمُ‏ويَستَقيمُ بِهِ الإِحسانُ وَالنِّعَمُ‏
إن عُدَّ أهلُ النَّدى‏ كانوا أئَمَّتَهُم‏أو قيلَ : مَن خَيرُ أهلِ الأَرضِ قيلَ : هُمُ‏
لا يَستَطيعُ جَوادٌ بَعدَ جودِهِمُ‏ولا يُدانيهِمُ قَومٌ وإن كَرُموا
بُيوتُهُم مِن قُرَيشٍ يُستَضاءُ بِهافِي النّائِباتِ وعِندَ الحُكمِ إن حَكَموا
فَجَدُّهُ مِن قُرَيشٍ في أرومَتِهامُحَمَّدٌ وعَلِيٌّ بَعدَهُ عَلَمُ‏
قالَ : ثُمَّ أقبَلَ الفَرَزدَقُ عَلَى ابنِ عَمِّهِ فَقالَ : وَاللَّهِ لَقَد قُلتُ فيهِ هذِهِ الأَبياتِ غَيرَ مُتَعَرِّضٍ إلى‏ مَعروفِهِ ، غَيرَ أنّي أرَدتُ اللَّهَ وَالدّارَ الآخِرَةَ . ۳

1.المشهور أنّه قالها في مدح الإمام زين العابدين عليه السلام وقصّتها معروفة (راجع : الإرشاد : ج ۲ ص ۱۵۱) .

2.العِرنين من كلّ شي‏ء : أوّله ، ومنه عرنين الأنف ، لأوّله ؛ وهو ما تحت مجتمع الحاجبين ، وهو موضع الشمّ (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۱۲۰۴ «عرن») .

3.الفتوح : ج ۵ ص ۷۱ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۲۳ ، مطالب السؤول : ص ۷۳ و ۷۴ ؛ كشف الغمّة : ج ۲ ص ۲۳۹ و ص ۲۵۵ كلّها نحوه وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۹۵ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
632

وأظهَروا الفَسادَ فِي الأَرضِ ، وأبطَلُوا الحُدودَ ، وشَرِبُوا الخُمورَ ، وَاستَأثَروا في أموالِ الفُقَراءِ وَالمَساكينِ ، وأنَا أولى‏ مَن قامَ بِنُصرَةِ دينِ اللَّهِ ، وإعزازِ شَرعِهِ ، وَالجِهادِ في سَبيلِهِ ، لِتَكونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا . فَأَعرَضَ عَنهُ الفَرَزدَقُ وسارَ . ۱

۶۶۸.كشف الغمّة عن الفرزدق : لَقِيَنِي الحُسَينُ عليه السلام في مُنصَرَفي مِنَ الكوفَةِ ، فَقالَ : ما وَراءَكَ يا أبا فِراسٍ ؟ قُلتُ : أصدُقُكَ ؟ قالَ عليه السلام : الصِّدقُ اُريدُ .
قُلتُ : أمّا القلوبُ فَمَعَكَ ، وأمّا السُّيوفُ فَمَعَ بَني اُمَيَّةَ ، وَالنَّصرُ مِن عِندِ اللَّهِ .
قالَ : ما أراكَ إلّا صَدَقتَ . النّاسُ عَبيدُ المالِ ، وَالدّينُ لَغوٌ ۲ عَلى‏ ألسِنَتِهِم ، يَحوطونَهُ ما دَرَّت ۳ بِهِ معايِشُهُم ، فَإِذا مُحِّصوا ۴
بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانونَ . ۵

۶۶۹.الفتوح : سارَ الحُسَينُ عليه السلام حَتّى‏ نَزَلَ الشُّقوقَ ۶ ، فَإِذا هُوَ بِالفَرَزدَقِ بنِ غالِبٍ الشّاعِرِ قَد أقبَلَ عَلَيهِ ، فَسَلَّمَ ، ثُمَّ دَنا مِنهُ فَقَبَّلَ يَدَهُ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : مِن أينَ أقبَلتَ يا أبا فِراسٍ ؟ فَقالَ : مِنَ الكوفَةِ يَابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ ! فَقالَ : كَيفَ خَلَّفتَ أهلَ الكوفَةِ ؟ فَقالَ : خَلَّفتُ النّاسَ مَعَكَ ، وسُيوفَهُم مَعَ بَني اُمَيَّةَ ، وَاللَّهُ يَفعَلُ في خَلقِهِ ما يَشاءُ .

1.تذكرة الخواصّ : ص ۲۴۰ وراجع : الأمالي للشجري : ج ۱ ص ۱۶۶ والحدائق الورديّة : ج ۱ ص ۱۱۴ .

2.اللَّغْوَ واللّغى‏ : السَّقط وما لا يُعتدّ به من الكلام وغيره ، ولا يُحصل منه على فائدة ولا نفع ، وكاللغوى‏ ؛ وهو ما كان من الكلام غير معقود عليه (تاج العروس : ج ۲۰ ص ۱۵۴ «لغو») وفي بعض النقول «لعقٌ على‏ ألسنتِهم» ، وهو على الاستعارة ، مِن لَعِقَه لَعقاً : أي لَحسَهُ ، أي إنّ الدين لم يتجاوز ألسنتهم .

3.درّ اللبن : إذا زاد وكثر (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۵۸۷ «درر») .

4.التمحيص : الابتلاء والاختبار (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۵۶ «محص») .

5.كشف الغمّة : ج ۲ ص ۲۴۴ ، الحدائق الورديّة : ج ۱ ص ۱۱۳ عن الطرمّاح الطائي الشاعر نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۱۹۵ ح ۹ ؛ بغية الطلب في تاريخ حلب : ج ۶ ص ۲۶۱۳ ، بستان الواعظين : ص ۲۶۲ كلاهما نحوه .

6.شُقُوق : منزل بطريق مكّة بعد واقصة من الكوفة وبعدها تلقاء مكّة بطان (معجم البلدان : ج ۳ ص ۳۵۶) وراجع : الخريطة رقم ۳ في آخر الكتاب .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8616
صفحه از 850
پرینت  ارسال به