فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : صَدَقتَ أبا عَبدِ اللَّهِ ! قالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله في حَياتِهِ : «ما لي ولِيَزيدَ ؟ لا بارَكَ اللَّهُ في يَزيدَ ! وإنَّهُ يَقتُلُ وَلَدِي ووَلَدَ ابنَتِيَ الحُسَينَ ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لا يُقتَلُ وَلَدي بَينَ ظَهرانَي قَومٍ فَلا يَمنَعونَهُ ، إلّا خالَفَ اللَّهُ بَينَ قُلوبِهِم وألسِنَتِهِم» .
ثُمَّ بَكَى ابنُ عَبّاسٍ ، وبَكى مَعَهُ الحُسَينُ عليه السلام ، وقالَ : يَا بنَ عَبّاسٍ ، تَعلَمُ أنِّي ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : اللَّهُمَّ نَعَم ، نَعلَمُ ونَعرِفُ أنَّ ما فِي الدُّنيا أحَدٌ هُوَ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله غَيرُكَ ، وأنَّ نَصرَكَ لَفَرضٌ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ ، كَفَريضَةِ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ الَّتي لا يُقدَرُ أن يُقبَلَ أحَدُهُما دونَ الاُخرى .
قالَ الحُسَينُ عليه السلام : يَابنَ عَبّاسٍ ، فَماتَقولُ في قَومٍ أخرَجُوا ابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِن دارِهِ وقَرارِهِ ، ومَولِدِهِ وحَرَمِ رَسولِهِ ، ومُجاوَرَةِ قَبرِهِ ومَولِدِهِ ، ومَسجِدِهِ ومَوضِعِ مُهاجَرِهِ ، فَتَرَكوهُ خائِفاً مَرعوباً لا يَستَقِرُّ في قَرارٍ ، ولا يأوي في مَوطِنٍ ، يُريدونَ في ذلِكَ قَتلَهُ وسَفكَ دَمِهِ ، وهُوَ لَم يُشرِك بِاللَّهِ شَيئاً ، ولَا اتَّخَذَ مِن دونِهِ وَلِيّاً ، ولَم يَتَغَيَّر عَمّا كانَ عَلَيهِ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَالخُلَفاءُ مِن بَعدِهِ ؟
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : ما أقولُ فيهِم إلّا (أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى)۱(يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ لِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)۲ وعَلى مِثلِ هؤُلاءِ تَنزِلُ البَطشَةُ الكُبرى .
وأمّا أنتَ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَإِنَّكَ رَأسُ الفَخارِ بِرَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَابنُ نَظيرَةِ البَتولِ ۳ ، فَلا تَظُنَّ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أنَّ اللَّهَ غافِلٌ عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ ، وأنَا أشهَدُ أنَّ مَن رَغِبَ عَن مُجاوَرَتِكَ ، وطَمِعَ في مُحارَبَتِكَ ومُحارَبَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَما لَهُ مِن خَلاقٍ .