يَا بنَ عَمِّ ، إنّي أتَصَبَّرُ ولا أصبِرُ ، إنّي أتَخَوَّفُ عَلَيكَ في هذَا الوَجهِ الهَلاكَ وَالاِستِئصالَ ، إنَّ أهلَ العِراقِ قَومٌ غُدُرٌ فَلا تَقرَبَنَّهُم ، أقِم بِهذَا البَلَدِ فَإِنَّكَ سَيِّدُ أهلِ الحِجازِ ، فَإِن كانَ أهلُ العِراقِ يُريدونَكَ كَما زَعَموا ، فَاكتُب إلَيهِم فَليَنفوا عَدُوَّهُم ، ثُمَّ اقدَم عَلَيهِم . فَإِن أبَيتَ إلّا أن تَخرُجَ ، فَسِر إلَى اليَمَنِ ، فَإِنَّ بِها حُصوناً وشِعاباً ۱ ، وهِيَ أرضٌ عَريضَةٌ طَويلَةٌ ، ولِأَبيكَ بِها شيعَةٌ ، وأنتَ عَنِ النّاسِ في عُزلَةٍ ، فَتَكتُبُ إلَى النّاسِ، وتُرسِلُ وتَبُثُّ دُعاتَكَ ، فَإِنّي أرجو أن يَأتِيَكَ عِندَ ذلِكَ الَّذي تُحِبُّ في عافِيَةٍ.
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : يَا بنَ عَمِّ ، إنّي وَاللَّهِ لَأَعلَمُ أنَّكَ ناصِحٌ مُشفِقٌ ، ولكِنّي قَد أزمَعتُ وأجمَعتُ عَلَى المَسيرِ. فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ: فَإِن كُنتَ سائِراً فَلا تَسِر بِنِسائِكَ وصِبيَتِكَ ، فَوَاللَّهِ إنّي لَخائِفٌ أن تُقتَلَ كَما قُتِلَ عُثمانُ ، ونِساؤُهُ ووُلدُهُ يَنظُرونَ إلَيهِ .
ثُمَّ قالَ ابنُ عَبّاسٍ : لَقَد أقرَرتَ عَينَ ابنِ الزُّبَيرِ بِتَخلِيَتِكَ إيّاهُ وَالحِجازَ ، وَالخُروجِ مِنها ، وهُوَ يَومٌ لا يَنظُرُ إلَيهِ أحَدٌ مَعَكَ ، وَاللَّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، لَو أعلَمُ أنَّكَ إذا أخَذتُ بِشَعرِكَ وناصِيَتِكَ حَتّى يَجتَمِعَ عَلَيَّ وعَلَيكَ النّاسُ أطَعتَني ، لَفَعَلتُ ذلِكَ .
قالَ : ثُمَّ خَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ مِن عِندِهِ ، فَمَرَّ بِعَبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ ، فَقالَ : قَرَّت عَينُكَ يَا بنَ الزُّبَيرِ ، ثُمَّ قالَ :
يا لَكِ مِن قُبَّرَةٍ بِمَعمَرِخَلا لَكِ الجَوُّ فَبيضي وَاصفِري
وَنَقِّري ما شِئتِ أن تُنَقِّري
هذا حُسَينٌ عليه السلام يَخرُجُ إلَى العِراقِ ، وعَلَيكَ بِالحِجازِ . ۲
۵۹۵.الأخبار الطوال : لَمّا عَزَمَ [الحُسَينُ عليه السلام] عَلَى الخُروجِ ، وأخَذَ فِي الجَهازِ ، بَلَغَ ذلِكَ عَبدَ اللَّهِ بنَ
1.الشِّعبُ : الطريق في الجبل ، والجمع الشِّعاب (الصحاح : ج ۱ ص ۱۵۶ «شعب») .
2.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۸۳ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۴۵ ، أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۷۳ ، الفتوح : ج ۵ ص ۶۵ وليس فيهما كلام ابن الزبير ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۱۶ ، الفصول المهمّة : ص ۱۸۳ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۵۹ كلّها نحوه وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۹۴ وبحار الأنوار : ج ۷۵ ص ۳۶۲ .