479
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

۴۴۰.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : أرسَلَ إلَيهِ [أي إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ] مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : أيُّهَا الأَميرُ ! أتَظُنُّ أنَّكَ بَعَثتَني إلى‏ بَقّالٍ مِن بَقاقيلِ الكوفَةِ ، أو جُرمُقانِيٍّ مِن جَرامِقَةِ الحيرَةِ ! أفَلا تَعلَمُ - أيُّهَا الأَميرُ - أنَّكَ بَعَثتَني إلى‏ أسَدٍ ضِرغامٍ ، وبَطَلٍ هُمامٍ ، في كَفِّهِ سَيفٌ حُسامٌ ، يَقطُرُ مِنهُ المَوتُ الزُّؤامُ ؟!
فَأَرسَلَ إلَيهِ ابنُ زِيادٍ : أن أعطِهِ الأَمانَ ، فَإِنَّكَ لَن تَقدِرَ عَلَيهِ إلّا بِالأَمانِ المُؤَكَّدِ بِالأَيمانِ ؛ فَجَعَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ يُناديهِ : وَيحَكَ يَابنَ عَقيلٍ ! لا تَقتُل نَفسَكَ ، لَكَ الأَمانُ ، فَيَقولُ مُسلِمٌ : لا حاجَةَ لي في أمانِ الغَدَرةِ الفَجَرَةِ ، ويُنشِدُ :

أقسَمتُ لا اُقتَلُ إلّا حُرّاوإنَ رَأَيتُ المَوتَ شَيئاً مُرّا
كلُّ امرِئٍ يَوماً مُلاقٍ شَرّارَدَّ شُعاعَ النَّفسِ فَاستَقَرّا
أضرِبُكُم ولا أخافُ ضُرّاضَربَ هُمامٍ يَستَهينُ الدَّهرا
ويَخلِطُ البارِدَ سُخناً مُرّاولا اُقيمُ لِلأَمانِ قَدرا
أخافُ أن اُخدَعَ أو اُغَرّا
فَناداهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : وَيحَكَ يا مُسلِمُ ! إنَّكَ لَن تُغَرَّ ولَن تُخدَعَ ، وَالقَومُ لَيسوا بِقاتِليكَ ، فَلا تَقتُل نَفسَكَ ، فَلَم يَلتَفِت إلَيهِ ، فَجَعَلَ يُقاتِلُهُم حَتّى‏ اُثخِنَ بِالجِراحِ ، وضَعُفَ عَنِ الكِفاحِ ، وتَكاثَروا عَلَيهِ مِن كُلِّ جانِبٍ ، وجَعَلوا يَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ .
فَقالَ مُسلِمٌ ، وَيلَكُم ! ما لَكُم تَرمونّي بِالحِجارَةِ كَما تُرمَى الكُفّارُ ، وأنَا مِن أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ المُختارِ ؟ ! وَيلَكُم ! أما تَرعَونَ حَقَّ رَسولِ اللَّهِ ، ولا حَقَّ قُرباهُ ؟ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِم - في ضَعفِهِ - فَهَزَمَهُم وكَسَرَهُم فِي الدُّروبِ وَالسِّكَكِ .
ثُمَّ رَجَعَ وأسنَدَ ظَهرَهُ عَلى‏ بابِ دارٍ مِن تِلكَ الدّورِ ، ورَجَعَ القَومُ إلَيهِ ، فَصاحَ بِهِم مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : ذَروهُ حَتّى‏ اُكَلِّمَهُ بِما اُريدُ ، فَدَنا مِنهُ وقالَ : وَيحَكَ يَابنَ عَقيلٍ ! لا تَقتُل نَفسَكَ ، أنتَ آمِنٌ ودَمُكَ في عُنُقي ، وأنتَ في ذِمَّتي .
فَقالَ مُسلِمٌ : أتَظُنُّ يَابنَ الأَشعَثِ أنّي اُعطي بِيَدي وأنَا أقدِرُ عَلَى القِتالِ ؟! لا وَاللَّهِ لا


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
478

قالَ : فَناداهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ وقالَ : وَيحَكَ يَابنَ عَقيلٍ ! إنَّكَ لا تُكذَبُ ولا تُغَرُّ ، القَومُ لَيسوا بِقاتِليكَ فَلا تَقتُل نَفسَكَ .
قالَ : فَلَم يَلتَفِت مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى‏ كَلامِ ابنِ الأَشعَثِ ، وجَعَلَ يُقاتِلُ حَتّى‏ اُثخِنَ بِالجِراحِ ، وضَعُفَ عَنِ القِتالِ ، وتَكاثَروا عَلَيهِ فَجَعَلوا يَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ ، فَقالَ مُسلِمٌ : وَيلَكُم ! ما لَكُم تَرمونَني بِالحِجارَةِ كَما تُرمَى الكُفّارُ ، وأنَا مِن أهلِ بَيتِ الأَنبِياءِ الأَبرارِ ؟ ! وَيلَكُم ! أما تَرعَونَ حَقَّ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وذُرِّيَّتِهِ ؟
قالَ : ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِم - عَلى‏ ضَعفِهِ - فَكَسَرَهُم وفَرَّقَهُم فِي الدُّروبِ ، ثُمَّ رَجَعَ وأسنَدَ ظَهرَهُ إلى‏ بابِ دارٍ هُناكَ ، فَرَجَعَ القَومُ إلَيهِ فَصاحَ بِهِم مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : ذَروهُ حَتّى‏ اُكَلِّمَهُ بِما يُريدُ .
قالَ : ثُمَّ دَنا مِنهُ ابنُ الأَشعَثِ حَتّى‏ وَقَفَ قُبالَتَهُ ، وقالَ : وَيلَكَ يَابنَ عَقيلٍ ، لا تَقتُل نَفسَكَ ، أنتَ آمِنٌ ودَمُكَ في عُنُقي . فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : أتَظُنُّ يَابنَ الأَشعَثِ أنّي اُعطي بِيَدي أبَداً وأنَا أقدِرُ عَلَى القِتالِ ؟ لا وَاللَّهِ ، لا كانَ ذلِكَ أبَداً ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِ حَتّى‏ ألحَقَهُ بِأَصحابِهِ . ثُمَّ رَجَعَ مَوضِعَهُ فَوَقَفَ وقالَ : اللَّهُمَّ إنَّ العَطَشَ قَد بَلَغَ مِنّي .
قالَ : فَلَم يَجسُر أحَدٌ أن يَسِقيَهُ الماءَ ولا قَرُبَ مِنهُ ، فَأَقبَلَ ابنُ الأَشعَثِ عَلى‏ أصحابِهِ وقالَ : وَيلَكُم ! إنَّ هذا لَهُوَ العارُ وَالفَشَلُ أن تَجزَعوا مِن رَجُلٍ واحِدٍ هذا الجَزَعَ ، اِحمِلوا عَلَيهِ بِأَجمَعِكُم حَملَةً واحِدَةً .
قالَ : فَحَمَلوا عَلَيهِ وحَمَلَ عَلَيهِم ، فَقَصَدَهُ مِن أهلِ الكوفَةِ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ بُكَيرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِيُّ ، فَاختَلَفا بِضَربَتَينِ : فَضَرَبَهُ بُكَيرٌ ضَربَةً عَلى‏ شَفَتِهِ العُليا ، وضَرَبَهُ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ ضَرَبةً فَسَقَطَ إلَى الأَرضِ قَتيلاً ؛ قالَ : فَطُعِنَ [مُسلِمٌ ]مِن وَرائِهِ طَعنَةً فَسَقَطَ إلَى الأَرضِ ، فَاُخِذَ أسيراً ، ثُمَّ اُخِذَ فَرَسُهُ وسِلاحُهُ .
وتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِن بَني سُلَيمانَ ، يُقالُ لَهُ : عُبَيدُ اللَّهِ بنُ العَبّاسِ ، فَأَخَذَ عِمامَتَهُ. ۱

1.الفتوح : ج ۵ ص ۵۳ .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11872
صفحه از 850
پرینت  ارسال به