441
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : يا هانِئُ ! إنّي أنشُدُكَ اللَّهَ أن تَقتُلَ نَفسَكَ ، وتُدخِلَ البَلاءَ عَلى‏ قَومِكَ وعَشيرَتِكَ ، فَوَاللَّهِ إنّي لَأَنفَسُ بِكَ عَنِ القَتلِ - وهُوَ يَرى‏ أنَّ عَشيرَتَهُ سَتَحَرَّكُ في شَأنِهِ - إنَّ هذَا الرَّجُلَ ابنُ عَمِّ القَومِ ، ولَيسوا قاتِليهِ ولا ضائِريهِ ، فَادفَعهُ إلَيهِ ، فَإِنَّهُ لَيسَ عَلَيكَ بِذلِكَ مَخزاةٌ ولا مَنقَصَةٌ ، إنَّما تَدفَعُهُ إلَى السُّلطانِ .
قالَ : بَلى‏ وَاللَّهِ ، إنَّ عَلَيَّ في ذلِكَ لَلخِزيُ وَالعارُ ، أنَا أدفَعُ جاري وضَيفي ، وأنَا حَيٌّ صَحيحٌ أسمَعُ وأرى‏ ، شَديدُ السّاعِدِ كَثيرُ الأَعوانِ ! وَاللَّهِ لَو لَم أكُن إلّا واحِداً لَيسَ لي ناصِرٌ لَم أدفَعهُ حَتّى‏ أموتَ دونَهُ . فَأَخَذَ يُناشِدُهُ وهُوَ يَقولُ : وَاللَّهِ لا أدفَعُهُ إلَيهِ أبَداً ، فَسَمِعَ ابنُ زِيادٍ ذلِكَ ، فَقالَ : أدنوهُ مِنّي ، فَأَدنَوهُ مِنهُ ، فَقالَ : وَاللَّهِ لَتَأتِيَنّي بِهِ أو لَأَضرِبَنَّ عُنُقَكَ . قالَ : إذاً تَكثُرَ البارِقَةُ ۱ حَولَ دارِكَ . فَقالَ : والَهفاً عَلَيكَ ، أبِالبارِقَةِ تُخَوِّفُني ؟ وهُوَ يَظُنَّ أنَّ عَشيرَتَهُ سَيَمنَعونَهُ .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : أدنوهُ مِنّي ، فَاُدنِيَ ، فَاستَعرَضَ وَجهَهُ بِالقَضيبِ ، فَلَم يَزَل يَضرِبُ أنفَهُ وجَبينَهُ وخَدَّهُ ، حَتّى‏ كَسَرَ أنفَهُ وسَيَّلَ الدِّماءَ عَلى‏ ثِيابِهِ ، ونَثَرَ لَحمَ خَدَّيهِ وجَبينِهِ عَلى‏ لِحيَتِهِ ، حَتّى‏ كُسِرَ القَضيبُ ، وضَرَبَ هانِئٌ بِيَدِهِ إلى‏ قائِمِ سَيفِ شُرطِيٍّ مِن تِلكَ الرِّجالِ ، وجابَذَهُ ۲ الرَّجُلُ ومُنِعَ .
فَقالَ عُبَيدُ اللَّهِ : أحَرورِيٌّ سائِرَ اليَومِ ، أحلَلتَ بِنَفسِكَ ! قَد حَلَّ لَنا قَتلُكَ ، خُذوهُ فَأَلقوهُ في بَيتٍ مِن بُيوتِ الدّارِ ، وأغلِقوا عَلَيهِ بابَهُ ، وَاجعَلوا عَلَيهِ حَرَساً . فَفُعِلَ ذلِكَ بِهِ .
فَقامَ إلَيهِ أسماءُ بنُ خارِجَةَ ، فَقالَ : أ رُسُلُ غَدرٍ سائِرَ اليَومِ ؟ أمَرتَنا أن نَجيئَكَ بِالرَّجُلِ ، حَتّى‏ إذا جِئناكَ بِهِ ، وأدخَلناهُ عَلَيكِ ، هَشَمتَ وَجهَهُ ، وسَيَّلتَ دَمَهُ عَلى‏ لِحيَتِهِ ، وزَعَمتَ أنَّكَ تَقتُلُهُ !

1.البارِقَةُ : السيوف (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۱۵ «برق») .

2.جَبَذَهُ جَبْذاً : مثل جَذَبَه جَذْباً (المصباح المنير : ص ۸۹ «جبذ») .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
440

قالَ : ما فَعَلتُ ، وما مُسلِمٌ عِندي ، قالَ : بَلى‏ قَد فَعَلتَ ، قالَ : ما فَعَلتُ ، قالَ : بَلى‏ .
فَلَمّا كَثُرَ ذلِكَ بَينَهُما ، وأبى‏ هانِئٌ إلّا مُجاحَدَتَهُ ومُناكَرَتَهُ ، دَعَا ابنُ زِيادٍ مَعقِلاً ذلِكَ العَينَ ، فَجاءَ حَتّى‏ وَقَفَ بَينَ يَدَيهِ ، فَقالَ : أتَعرِفُ هذا ؟ قالَ : نَعَم .
وعَلِمَ هانِئٌ عِندَ ذلِكَ أنَّهُ كانَ عَيناً عَلَيهِم ، وأنَّهُ قَد أتاهُ بِأَخبارِهِم ، فَسُقِطَ في خَلَدِهِ ۱ ساعَةً ، ثُمَّ إنَّ نَفسَهُ راجَعَتهُ فَقالَ لَهُ :
اِسمَع مِنّي وصَدِّق مَقالَتي ، فَوَاللَّهِ لا أكذِبُكَ ، وَاللَّهِ الَّذي لا إلهَ غَيرُهُ ، ما دَعَوتُهُ إلى‏ مَنزِلي ، ولا عَلِمتُ بِشَي‏ءٍ مِن أمرِهِ ، حَتّى‏ رَأَيتُهُ جالِساً عَلى‏ بابي ، فَسَأَلَنِي النُّزولَ عَلَيَّ ، فَاستَحيَيتُ مِن رَدِّهِ ، ودَخَلَني مِن ذلِكَ ذِمامٌ ۲ ، فَأَدخَلتُهُ داري وضِفتُهُ وآوَيتُهُ ، وقَد كانَ مِن أمرِهِ الَّذي بَلَغَكَ ، فَإِن شِئتَ أعطَيتُ الآنَ مَوثِقاً مُغَلَّظاً ، وما تَطمَئِنُّ إلَيهِ ألّا أبغِيَكَ سوءاً ، وإن شِئتَ أعطَيتُكَ رَهينَةً تَكونُ في يَدِكَ حَتّى‏ آتِيَكَ ، وأنطَلِقُ إلَيهِ فَآمُرُهُ أن يَخرُجَ مِن داري إلى‏ حَيثُ شاءَ مِنَ الأَرضِ ، فَأَخرُجُ مِن ذِمامِهِ وجِوارِهِ .
فَقالَ : لا وَاللَّهِ ، لا تُفارِقُني أبَداً حَتّى‏ تَأتِيَني بِهِ .
فَقالَ : لا وَاللَّهِ لا أجيؤُكَ بِهِ أبَداً ، أنَا أجيؤُكَ بِضَيفي تَقتُلُهُ ؟ ! قالَ : وَاللَّهِ لَتَأتِيَنّي بِهِ . قالَ : وَاللَّهِ لا آتيك بِهِ .
فَلَمّا كَثُرَ الكَلامُ بَينَهُما ، قامَ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِيُّ ، ولَيسَ بِالكوفَةِ شامِيٌّ ولا بَصرِيٌّ غَيرُهُ ، فَقالَ : أصلَحَ اللَّهُ الأَميرَ ! خَلِّني وإيّاهُ حَتّى‏ اُكَلِّمَهُ لَمّا رَأى‏ لَجاجَتَهُ وتَأبّيهِ عَلَى ابنِ زِيادٍ أن يَدفَعَ إلَيهِ مُسلِماً .
فَقالَ لِهانِئٍ : قُم إلى‏ هاهُنا حَتّى‏ اُكَلِّمَكَ ، فَقامَ ، فَخَلا بِهِ ناحِيَةً مِنِ ابنِ زِيادٍ ، وهُما مِنهُ عَلى‏ ذلِكَ قَريبٌ حَيثُ يَراهُما ، إذا رَفَعا أصواتَهُما سَمِعَ ما يَقولانِ ، وإذا خَفَضا خَفِيَ عَلَيهِ ما يَقولانِ .

1.الخَلَد : البال والقلب والنفس (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۲۹۱ «خلد») .

2.الذِّمّةُ والذِّمامُ : وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحُرمة والحقّ (النهاية : ج ۲ ص ۱۶۸ «ذمم») .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11958
صفحه از 850
پرینت  ارسال به