فَقالَ ذلِكَ مَرَّتَينِ أو ثَلاثاً .
فَقالَ عُبَيدُ اللَّهِ - ولا يَفطُنُ - : ما شَأنُهُ ؟ ! أتَرَونَهُ يَهجُرُ ۱ ؟ فَقالَ لَهُ هانِئٌ : نَعَم أصلَحَكَ اللَّهُ ! ما زالَ هذا دَيدَنُهُ قُبَيلَ عَمايَةِ الصُّبحِ حَتّى ساعَتِهِ هذِهِ . ثُمَّ إنَّهُ قامَ فَانصَرَفَ .
فَخَرَجَ مُسلِمٌ ، فَقالَ لَهُ شَريكٌ : ما مَنَعَكَ مِن قَتلِهِ ؟ فَقالَ : خَصلَتانِ : أمّا إحداهُما فَكَراهَةُ هانِئٍ أن يُقتَلَ في دارِهِ ، وأمَّا الاُخرى فَحَديثٌ حَدَّثَهُ النّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله : إنَّ الإيمانَ قَيَّدَ الفَتكَ ۲ ، ولا يَفتِكُ مُؤمِنٌ . ۳
فَقالَ هانِئٌ : أمَا وَاللَّهِ لَو قَتَلتَهُ لَقَتَلتَ فاسِقاً فاجِراً كافِراً غادِراً ، ولكن كَرِهتُ أن يُقتَلَ في داري ، ولَبِثَ شَريكُ بنُ الأَعوَرِ بَعدَ ذلِكَ ثَلاثاً ثُمَّ ماتَ .
فَخَرَجَ ابنُ زِيادٍ فَصَلّى عَلَيهِ ، وبَلَغ عُبَيدَ اللَّهِ بَعدَما قَتَلَ مُسلِماً وهانِئاً ، أنَّ ذلِكَ الَّذي كُنتَ سَمِعتَ مِن شَريكٍ في مَرَضِهِ ، إنَّما كانَ يُحَرِّضُ مُسلِماً ويَأمُرُهُ بِالخُروجِ إلَيكَ لِيَقتُلَكَ ، فَقالَ عُبَيدُ اللَّهِ : وَاللَّهِ لا اُصَلّي عَلى جَنازَةِ رَجُلٍ مِن أهلِ العِراقِ أبَداً ، ووَاللَّهِ لَولا أنَّ قَبرَ زِيادٍ فيهِم لَنَبَشتُ شَريكاً . ۴
۳۵۳.الأخبار الطوال : كانَ هانِئُ بنُ عُروَةَ مُواصِلاً لِشَريكِ بنِ الأَعوَرِ البَصرِيِّ الَّذي قامَ ۵ مَعَ ابنِ زِيادٍ ، وكانَ ذا شَرَفٍ بِالبَصرَةِ وخَطَرٍ ، فَانطَلَقَ هانِئٌ إلَيهِ حَتّى أتى بِهِ مِنزِلَهُ ، وأنزَلَهُ مَعَ مُسلِمِ بنِ عَقيلٍ فِي الحُجرَةِ الَّتي كانَ فيها . وكانَ شَريكٌ مِن كِبارِ الشّيعَةِ بِالبَصرَةِ ، فَكانَ يَحُثُّ هانِئاً عَلَى القِيامِ بِأَمرِ مُسلِمٍ ، وجَعَلَ مُسلِمٌ يُبايِعُ مَن أتاهُ منِ أهلِ الكوفَةِ ، ويَأخُذُ
1.هَجَرَ يهجُر هَجراً : إذا خَلَطَ في كلامه ، وإذا هذى (النهاية : ج ۵ ص ۲۴۵ «هجر») .
2.الفَتك ، أن يأتي الرّجل صاحبه وهو غارٌّ غافلٌ فيشُدّ عليه فيقتله (النهاية : ج ۳ ص ۴۰۹ «فتك») .
3.وزاد في الكامل في التاريخ: «بمؤمن».
4.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۶۳ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۳۷ وفيه «عمارة بن عبد السلولي» و«حدّثه عليّ عليه السلام» بدل «حدّثه الناس» ، مقاتل الطالبيّين : ص ۱۰۱ وليس فيه ذيله من «ولكن كرهت» وكلاهما نحوه ؛ بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۴۴ .
5.كذا في المصدر : والظاهر أنّ الصواب : «الذي قدمَ مع ابن زياد» .