371
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

وَاللَّهِ شِدَّةً إلّا لَقيناها ، نَنصُرُكَ بِأَسيافِنا ، ونَقيكَ بِأَبدانِنا ، فَانهَض لِما شِئتَ .
وتَكَلَّمَت بَنو سَعدِ بنِ يَزيدَ ، فَقالوا : يا أبا خالِدٍ ! إنَّ أبغَضَ الأَشياءِ إلَينا خِلافُكَ وَالخُروجُ مِن رَأيِكَ ، وقَد كانَ صَخرُ بنُ قَيسٍ أمَرَنا بِتَركِ القِتالِ ، فَحَمِدنا أمرَنا وبَقِيَ عِزُّنا فينا ، فَأَمهِلنا نُراجِعِ المَشوَرَةَ ونَأتِكَ بِرَأيِنا .
وَتَكَلَّمَت بَنو عامِرِ بنِ تَميمٍ ، فَقالوا : يا أبا خالِدٍ ! نَحنُ بنو أبيكَ وحُلَفاؤُكَ ، لا نَرضى‏ إن غَضِبتَ ، ولا نَقطُنُ إن ظَعَنتَ ، وَالأَمرُ إلَيكَ ، فَادعُنا نُجِبكَ ، ومُرنا نُطِعكَ ، وَالأَمرُ إلَيكَ إذا شِئتَ .
فَقالَ : وَاللَّهِ - يا بَني سَعدٍ - ، لَئِن فَعَلتُموها لا يَرفَعُ اللَّهُ عَنكُمُ السَّيفَ أبَداً ، ولا يَزالُ سَيفُكُم فيكُم .
ثُمّ كَتَبَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام : بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أمّا بَعدُ ، فَقَد وَصَلَ إلَيَّ كِتابُكَ ، وفَهِمتُ ما نَدَبتَني إلَيهِ ودَعَوتَني لَهُ مِنَ الأَخذِ بِحَظّي مِن طاعَتِكَ وَالفَوزِ بِنَصيبي مِن نُصرَتِكَ ، وأنَّ اللَّهَ لَم يُخلِ الأَرضِ مِن عامِلٍ عَلَيها بِخَيرٍ ودَليلٍ عَلى‏ سَبيلِ النَّجاةِ ، وأنتُم حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلقِهِ ووَديعَتُهُ في أرضِهِ ، تَفَرَّعتُم مِن زَيتونَةٍ أحمَدِيَّةٍ هُوَ أصلُها وأنتُم فَرعُها ، فَأَقدِم سَعِدتَ بِأَسعَدِ طائِرٍ ، فَقَد ذَلَّلتُ لَكَ أعناقَ بَني تَميمٍ وتَرَكتُهُم أشَدَّ تَتابُعاً لَكَ مِنَ الإِبِلِ الظِّماءِ يَومَ خِمسِها لِوُرودِ الماءِ ، وقَد ذَلَّلتُ لَكَ رِقابَ بَني سَعدٍ وغَسَلتُ لَكَ دَرَنَ صُدورِها بِماءِ سَحابَةِ مُزنٍ حَتَّى استَهَلَّ بَرقُها فَلَمَعَ .
فَلَمّا قَرَأَ الحُسَينُ عليه السلام الكِتابَ قالَ : آمَنَكَ اللَّهُ يَومَ الخَوفِ ، وأعَزَّكَ وأرواكَ يَومَ العَطَشِ الأَكبَرِ . فَلَمّا تَجَهَّزَ المُشارُ إلَيهِ لِلخُروجِ إلَى الحُسَينِ عليه السلام بَلَغَهُ قَتلُهُ قَبلَ أن يَسيرَ ، فَجَزِعَ مِنِ انقِطاعِهِ عَنهُ .
وأمَّا المُنذِرُ بنُ الجارودِ فَإِنَّهُ جاءَ بِالكِتابِ وَالرَّسولِ إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ؛ لأَِنَّ


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
370

فيكُم ؟ فَقالوا : بَخٍّ بَخٍّ ، أنتَ واللَّهِ فِقرَةُ الظَّهرِ ورَأسُ الفَخرِ ، حَلَلتَ فِي الشَّرَفِ وَسَطاً وتَقَدَّمتَ فيهِ فَرَطاً .
قالَ : فَإِنّي قَد جَمَعتُكُم لأَِمرٍ اُريدُ أن اُشاوِرَكُم فيهِ وأستَعينُ بِكُم عَلَيهِ . فَقالوا : وَاللَّهِ إنّا نَمنَحُكَ النَّصيحَةَ ونَجهَدُ لَكَ الرَّأيَ ، فَقُل نَسمَع .
فَقالَ : إنَّ مُعاوِيَةَ قَد ماتَ فَأَهوِن بِهِ وَاللَّهِ هالِكاً ومَفقوداً ، ألا وإنَّهُ قَدِ انكَسَرَ بابُ الجَورِ وَالإِثمِ ، وتَضَعضَعَت أركانُ الظُّلمِ ، وقَد كانَ أحدَثَ بَيعَةً عَقَدَ بِها أمراً وظَنَّ أنَّهُ قَد أحكَمَهُ ، وهَيهاتَ وَالَّذي أرادَ ، اجتَهَدَ وَاللَّهِ فَفَشِلَ ، وشاوَرَ فَخُذِلَ ، وقَد قامَ ابنُهُ يَزيدُ شارِبُ الخُمورِ ورَأسُ الفُجورِ ، يَدَّعِي الخِلافَةَ عَلَى المُسلِمينَ ، ويَتَأَمَّرُ عَلَيهِم بِغَيرِ رِضىً مِنهُم ، مَعَ قَصرِ حِلمٍ وقِلَّةِ عِلمٍ ، لا يَعرِفُ مِنَ الحَقِّ مَوطِئَ قَدَمِهِ ، فَاُقسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً مَبروراً ، لَجِهادُهُ عَلَى الدّينِ أفضَلُ مِن جِهادِ المُشرِكينَ .
وهذَا الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله - ذُو الشَّرَفِ الأَصيلِ وَالرَّأيِ الأَثيلِ - لَهُ فَضلٌ لا يوصَفُ ، وعِلمٌ لا يُنزَفُ ، وهُوَ أولى‏ بِهذَا الأَمرِ لِسابِقَتِهِ وسِنِّهِ وقَدمِهِ وقَرابَتِهِ ، يَعطِفُ عَلَى الصَّغيرِ ، وَيحنو عَلَى الكَبيرِ ، فَأَكرِم بِهِ راعي رَعِيَّةٍ وإمامِ قَومٍ ، وَجَبَت للَِّهِ بِهِ الحُجَّةُ ، وَبَلَغَت بِهِ المَوعِظَةُ . فَلا تَعشوا عَن نورِ الحَقِّ ، ولا تَسكَعوا ۱ في وَهدَةِ الباطِلِ ، فَقَد كانَ صَخرُ بنُ قَيسٍ قَدِ انخَذَلَ بِكُم يَومَ الجَمَلِ فَاغسِلوها بِخُروجِكُم إلَى ابنِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ونُصرَتِهِ ، وَاللَّهِ لا يَقصُرُ أحَدٌ عَن نُصرَتِهِ إلّا أورَثَهُ اللَّهُ الذُّلَّ في وَلَدِهِ ، وَالقِلَّةَ في عَشيرَتِهِ ، وها أنَا قد لَبِستُ لِلحَربِ لَأمَتَها ، وَادَّرَعتُ لها بِدِرعِها، مَن لَم يُقتَل يَمُت، ومَن يَهرُب لَم يَفُت، فَأَحسِنوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ رَدَّ الجَوابِ.
فَتَكَلَّمَت بَنو حَنظَلَةَ ، فَقالوا : يا أبا خالِدٍ ! نَحنُ نَبلُ كِنانَتِكَ وفارِسُ عَشيرَتِكَ ، إن رَمَيتَ بِنا أصَبتَ ، وإن غَزَوتَ بنا فَتَحتَ ، لا تَخوضُ وَاللَّهِ غَمرَةً إلّا خُضناها ، ولا تَلقى‏

1.سَكَعَ : مشى مشياً متعسّفاً لا يدري أين يأخذ في بلاد اللَّه ، وتحيّر (القاموس المحيط : ج ۳ ص ۳۹ «سكع») .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8664
صفحه از 850
پرینت  ارسال به