قالَ : يا أخي ! قَد نَصَحتَ فَأَشفَقتَ ، فَأَرجو أن يَكونَ رَأيُكَ سَديداً مُوَفَّقاً . ۱
۲۰۸.الفتوح : لَمّا جاءَ إلَيهِ [أي إلَى الإِمامِ الحُسَينِ عليه السلام] مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ قالَ : يا أخي فَدَتكَ نَفسي ، أنتَ أحَبُّ النّاسِ إلَيَّ وأعَزُّهُم عَلَيَّ ، ولَستُ وَاللَّهِ أدَّخِرُ النَّصيحَةَ لأَِحَدٍ مِنَ الخَلقِ ، ولَيسَ أحَدٌ أحَقَّ بِها مِنكَ ، فَإِنَّكَ كَنَفسي وروحي وكَبيرُ أهلِ بَيتي ومَن عَلَيهِ اعتِمادي وطاعَتُهُ في عُنُقي ، لأَِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى قَد شَرَّفَكَ وجَعَلَكَ مِن ساداتِ أهلِ الجَنَّةِ ، وإنّي اُريدُ أن اُشيرَ عَلَيكَ بِرَأيي فَاقبَلهُ مِنّي .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : قُل ما بَدا لَكَ . فَقالَ : اُشيرُ عَلَيكَ أن تَنجُوَ نَفسَكَ عَن يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ وعَنِ الأَمصارِ مَا استَطَعتَ ، وأن تَبعَثَ رُسُلَكَ إلَى النّاسِ وتَدعُوَهُم إلى بَيعَتِكَ ، فَإِنّي إن بايَعَكَ النّاسُ وتابَعوكَ حَمِدتُ اللَّهَ عَلى ذلِكَ ، وقُمتَ فيهِم بِما يَقومُ فيهِمُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَالخُلَفاءُ الرّاشِدونَ المَهدِيّونَ مِن بَعدِهِ ، حَتّى يَتَوَفّاكَ اللَّهُ وهُوَ عَنكَ راضٍ ، وَالمُؤمِنونَ كَذلِكَ ، كَما رَضوا عَن أبيكَ وأخيكَ ، وإن أجمَعَ النّاسُ عَلى غَيرِكَ حَمِدتَ اللَّهَ عَلى ذلِكَ ، وإنّي خائِفٌ عَلَيكَ أن تَدخُلَ مِصراً مِنَ الأَمصارِ أو تَأتِيَ جَماعَةً مِنَ النّاسِ فَيَقتَتِلونَ فَتَكونُ طائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ وَطائِفَةٌ عَلَيكَ فَتُقتَلَ بَينَهُم ۲ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : يا أخي ! إلى أينَ أذهَبُ ؟ قالَ : اُخرُج إلى مَكَّةَ ، فَإِنِ اطمَأَنَّت بِكَ الدّارُ فَذاكَ الَّذي تُحِبُّ واُحِبُّ ، وإن تَكُنِ الاُخرى خَرَجتَ إلى بِلادِ اليَمَنِ ، فَإِنَّهُم أنصارُ جَدِّكَ وأخيكَ وأبيكَ ، وهُم أرأَفُ النّاسِ وأرَقُّهُم قُلوباً ، وأوسَعُ النّاسِ بِلاداً وأرجَحُهُم عُقولاً ، فَإِنِ اطمَأَنَّت بِكَ أرضُ اليَمَنِ وإلّا لَحِقتَ بِالرِّمالِ وشُعوبِ ۳ الجِبالِ ، وصِرتَ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ لِتَنظُرَ ما يَؤُولُ إلَيهِ أمرُ النّاسِ ، ويُحكَمَ بَينَكَ وبَينَ القَومِ الفاسِقينَ .
1.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۴۱ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۳۰ ؛ الإرشاد : ج ۲ ص ۳۴ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۲۶ وراجع : روضة الواعظين : ص ۱۹۰ وإعلام الورى : ج ۱ ص ۴۳۵ .
2.في المصدر : «منهم» ، والصواب ما أثبتناه كما في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي .
3.الشِّعب : الطريق في الجبل (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۸۸ «شعب») .