عَهداً وجَعَلَني لَهُ خَليفَةً مِن بَعدِهِ ، وأوصاني أن اُحارِبَ ۱ آلَ أبي تُرابٍ بِآلِ أبي سُفيانَ ؛ لأَِنَّهُم أنصارُ الحَقِّ وطُلّابُ العَدلِ ، فَإِذا وَرَدَ عَلَيكَ كِتابي هذا فَخُذِ البَيعَةَ عَلى أهلِ المَدينَةِ ، وَالسَّلامُ .
قالَ : ثُمَّ كَتَبَ إلَيهِ في صَحيفَةٍ صَغيرَةٍ كَأَنَّها اُذُنُ فَأرَةٍ : أمّا بَعدُ ، فَخُذِ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبي بَكرٍ وعَبدَ اللَّهِ بنَ الزُّبَيرِ وعَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ أخذاً عَنيفاً لَيسَت فيهِ رُخصَةٌ ؛ فَمَن أبى عَلَيكَ مِنهُم فَاضرِب عُنُقَهُ وَابعَث إلَيَّ بِرَأسِهِ . ۲
۱۶۹.الإمامة والسياسة عن نافع بن جبير : إنّي بِالشّامِ يَومَ مَوتِ مُعاوِيَةَ ، وكانَ يَزيدُ غائِباً ، وَاستَخلَفَ مُعاوِيَةُ الضَّحّاكَ بنَ قَيسٍ بَعدَهُ حَتّى يَقدَمَ يَزيدُ ... فَلَمّا قَدِمَ يَزيدُ دِمَشقَ - بَعدَ مَوتِ أبيهِ إلى عَشَرَةِ أيّامٍ - كَتَبَ إلى خالِدِ بنِ الحَكَمِ ۳ وهُوَ عامِلُ المَدينَةِ :
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ كانَ عَبداً استَخلَفَهُ اللَّهُ عَلَى العِبادِ ، ومَكَّنَ لَهُ فِي البِلادِ ، وكانَ مِن حادِثِ قَضاءِ اللَّهِ جَلَّ ثَناؤُهُ وتَقَدَّسَت أسماؤُهُ فيهِ ما سَبَقَ فِي الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، لَم يَدفَع عَنهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، فَعاشَ حَميداً وماتَ سَعيداً ، وقَد قَلَّدَنَا اللَّهُ عزّ وجلّ ما كانَ إلَيهِ ، فَيا لَها مُصيبَةً ما أجَلَّها ونِعمَةً ما أعظَمَها ، نَقلَ الخِلافَةِ وفَقدَ الخَليفَةِ ، فَنَستَوزِعُهُ الشُّكرَ ونَستَلهِمُهُ الحَمدَ ، ونَسأَلُهُ الخِيَرَةَ فِي الدّارَينِ مَعاً ، ومَحمودَ العُقبى فِي الآخِرَةِ وَالاُولى ، إنَّهُ وَلِيُّ ذلِكَ ، وكُلُّ شَيءٍ بِيَدِهِ لا شَريكَ لَهُ .
وإنَّ أهلَ المَدينَةِ قَومُنا ورِجالُنا ، ومَن لَم نَزَل عَلى حُسنِ الرَّأيِ فيهِم وَالاِستِعدادِ بِهِم ، وَاتِّباعِ أثَرِ الخَليفَةِ فيهِم ، وَالاِحتِذاءِ عَلى مِثالِهِ لَدَيهِم ، مِنَ الإِقبالِ عَلَيهِم ، وَالتَّقَبُّلِ مِن مُحسِنِهِم ، وَالتَّجاوُزِ عَن مُسيئِهِم ، فَبايِع لَنا قَومَنا ، ومَن قِبَلَكَ مِن رِجالِنا ، بَيعَةً مُنشَرِحَةً بِها صُدورُكُم ، طَيِّبَةً عَلَيها أنفُسُكُم ، وَليَكُن أوَّلَ مَن يُبايِعُكَ مِن قَومِنا وأهلِنا :