31
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

الحماس الذي يعتري كلّ إنسان عند دراسة نهضة عاشوراء ، فدفعهم هذا الإحساس إلى التساهل في التعامل مع الروايات العديمة الأساس أحياناً ، ممّا أدّى بهم أحياناً إلى أن يعتمدوا على الروايات الشفويّة أيضاً، والتي سمعوها من هنا وهناك ، أو من بعض الخطباء وقرّاء المراثي ، وأن يذكروا في كتبهم إضافات لا تنسجم مع حادثة عاشوراء وتتعارض مع أهدافها ، فضلاً عن اعتمادهم على الكتب المتدنّية المستوى ، أو المجهولة ، أو حتّى المنتحلة .
نعم، وجود بعض الأرضيّات وعدّة من العوامل أسهم في تكريس هذه الظاهرة ، ومن جملتها ظهور اُسلوب نسج القصص وتقديم القراءة الشيّقة التي تتّخذ من السامع محوراً لها ، وهو الاُسلوب الذي ظهر على أساس نزعة الإنسان الطبيعيّة إلى الحكاية والنقل الشيّق للأحداث ، ونزعة الناس الفطريّة إلى تكريم أبطالهم ورفع مستواهم البطوليّ . بل حدا بالبعض إلى الإعراض عن الآيات والروايات الرادعة عن الكذب وانتحال مصطلح «لسان الحال» ، بل إنّهم أجازوا الكذب في بعض النماذج !
وبتسرّب هذه اللغة الخياليّة والعاطفيّة والقصصيّة إلى المنابر ، تكون دورة النقل الشفويّ إلى النقل التحريريّ قد اُكملَت ؛ حيث نَفَذَ ماكان قد انتُحل وقرئ باعتباره رثاء أو نياحة أو نَقل حكايةٍ بهدف إثارة المشاعر - بمرور الزمان - إلى الكتب ، وتحوّل - للبعض - إلى سند تاريخي صالح للاعتماد ؛ اُولئك الذين لا يميّزون بين المصادر القديمة القريبة من حادثة عاشوراء وبين الكتب التي اُلّفت بعد قرون منها !
كلّ ذلك بالإضافة إلى الأخطاء الطبيعيّة التي تقع في نقل الأحداث التاريخيّة ، مثل: خطأ الذاكرة في النقل الشفويّ ، وخطأ العين عند الكتابة ، والذي يحدث عند كتابة المخطوطات وقراءتها ، خاصّة إذا كانت المخطوطة كثيرة الخطأ أو سيّئة الخطّ .
وما يبعث على الأمل لدى الباحثين هو وجود الشكل الهرميّ لهذه الظاهرة غير المباركة ؛ بمعنى أنّه على الرغم من أنّ عدد الكتب الحاليّة التي تتضمّن مواضيع يختلط


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
30

ولحسن الحظّ فإنّ المصادر التاريخيّة القديمة وكتب السيرة تناولت حادثة عاشوراء وكربلاء بشكل بلغ من الدقّة والتفصيل بحيث تظهر - بمقارنة بعضها مع البعض - الأخطاءُ والاشتباهات التي هي من سجايا البشر ، كما تظهر التغييرات المُغرضة في بعضها ، وتشكّل هذه المصادر القديمة ووجوه الاشتراك التاريخيّة إلى جانب المحافظة على معايير نقد النصوص والإسناد التاريخي ، أساسنا في تقييم اعتبار الكتب المؤلّفة وسنديّتها في العصور اللّاحقة .
وبما أنّ حادثة عاشوراء تمثّل أحد أبرز الأحداث الدمويّة في تاريخ إمامة الشيعة ، فإنّ من اللّازم تقييم الروايات والمصادر المرتبطة بعاشوراء بمعيار عصمة الإمام عليه السلام أيضاً ، واتّخاذ السيرة السلوكيّة لأئمّة الشيعة معياراً في تقييم ما ينسب إليهم .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ الكتب والمصادر التي لم تستخدم اُسلوب النقد في عرضها للنقول التاريخية ، ولم تطابق تلك النقول مع المصادر التاريخيّة المعتمدة ، أو لم تلحظ اختلافها مع سيرة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وكراماتهم ومنزلتهم وطبيعة شخصيّاتهم ؛ فهي في نظرنا مبتلاة بالضعف وخارجة من دائرة الاعتبار والنقل والاستناد ، فكلّما تضمّن الكتاب عدداً أكبر من الروايات الفاقدة للأصل والسند أو غير المنسجمة مع كرامة هذه الشخصيّات الكريمة والأبيّة ، فإنّ ذلك يزيد من ضعف الكتاب ، وكلّما كانت أمثال هذه الروايات فيه أقلّ فهو يتمتّع بقيمة أكبر .
وهذا يعني أنّ نقدنا في هذا المجال يتوجّه إلى محتوى الكتاب لا إلى مؤلّفه ، ذلك أنّ بعض مؤلّفي هذا النوع من الكتب هم من الذين بادروا إلى التأليف بدافع إعجابهم بهذه الملحمة التاريخية وشخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، وتقديراً لتضحياتهم ، وكتبوا في مجال يختلف اختلافاً أساسيّاً عن ثقافتهم العلميّة ؛ مثل : الفقه ، وتفسير القرآن ، دون أن يكون تخصّصهم الأصلي هو التاريخ والسيرة .
وبعبارة اُخرى‏ فإنّ الإحساس بالمسؤوليّة تجاه الإمام الحسين عليه السلام قد امتزج مع

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11876
صفحه از 850
پرینت  ارسال به