وبَلاءٍ ، ولَيُحشَرَنَّ مِنها قَومٌ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِلا حِسابٍ .
ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، اطلُب لي حَولَها صِيرانَ الظِّباءِ ، فَطَلَبَهَا ابنُ عَبّاسٍ فَوَجَدَها ، ثُمَّ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد أصَبتُها ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اللَّهُ أكبَرُ ! صَدَقَ اللَّهُ ورَسولُهُ .
ثُمَّ قامَ عَلِيٌّ عليه السلام يُهَروِلُ نَحوَها حَتّى وَقَفَ عَلَيها ، ثُمَّ أخَذَ قَبضَةً مِن بَعرِ الظِّباءِ ، فَشَمَّها ، فَإِذا لَها لَونٌ كَلَونِ الزَّعفَرانِ ، ورائِحَةٌ كَرائِحَةِ المِسكِ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : نَعَم هِيَ هذِهِ بِعَينِها ، ثُمَّ قالَ : أتَعلَمُ ما هذِهِ يَابنَ عَبّاسٍ ؟ قالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ : إنَّ المَسيحَ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام قَد مَرَّ بِهذِهِ الأَرضِ ومَعَهُ الحَوارِيّونَ ، فَشَمَّ هذَا البَعرَ كَما شَمَمتُهُ ، وأقبَلَت إلَيهِ الظِّباءُ حَتّى وَقَفَت بَينَ يَدَيهِ ، فَبَكى عيسى ، وبَكى مَعَهُ الحَوارِيّونَ ، وهُم لا يَدرونَ لِماذا يَبكي عيسى عليه السلام ، فَقالوا : يا روحَ اللَّهِ ، ما يُبكيكَ ؟ ولِماذَا اختُلِستَ هاهُنا ؟
فَقالَ لَهُم : أتَعلَمونَ ما هذِهِ الأَرضُ ؟ قالوا : لا يا روحَ اللَّهِ ، فَقالَ : هذِهِ أرضٌ يُقتَلُ عَلَيها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ المُصطَفى ، وفَرخُ ابنَتِهِ الزَّهراءِ قَرينَةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ مَريَمَ بِنتِ عِمرانَ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عيسى إلى بَعرِ الظِّباءِ ، فَشَمَّهُ ، وقالَ :
يا مَعشَرَ الحَوارِيّينَ ، هذا بَعرُ الظِّباءِ عَلى هذَا الطّيبِ ؛ لِأَنَّهُ كانَ مِن حَشيشِ هذِهِ الأَرضِ . ثُمَّ مَضى عيسىَ بنُ مَريَمَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ ، وقَد بَقِيَت هذِهِ البَعَراتُ إلى يَومِنا هذا مِن ذلِكَ الدَّهرِ ، حَتّى أنَّها قَدِ اصفَرَّت لِطولِ الزَّمانِ عَلَيها ، فهذِهِ أرضُ الكَربِ وَالبَلاءِ .
قالَ : ثُمَّ بَكى عَلِيٌّ عليه السلام وقالَ : يا رَبِّ عيسى ، لا تُبارِك في قاتِلِ وَلَدي وَالعَنهُ لَعناً كَثيراً ، ثُمَّ اشتَدَّ بُكاءُ عَلِيٍّ ، وبَكَى النّاسُ مَعَهُ حَتّى سَقَطَ عَلى وَجهِهِ ، وغُشِيَ عَلَيهِ ؛ ثُمَّ أفاقَ ، فَوَثَبَ ، فَصَلّى ثَمانِيَ رَكَعاتٍ ، وسَلَّمَ مِن كُلِّ رَكعَتَينِ ، فَكُلَّما سَلَّمَ جَعَلَ يَتَناوَلُ مِن ذلِكَ البَعرِ فَيَشُمُّهُ ، ويَقولُ : صَبراً أبا عَبدِ اللَّهِ ، صَبراً يا ثَمَرَةَ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ورَيحانَةَ حَبيبِ اللَّهِ ، ثُمَّ أخَذَ كَفّاً مِن ذلِكَ البَعرِ ، فَصَرَّهُ في ثَوبِهِ ، وقالَ : لا يَزالُ هذا مَصروراً أبَداً أو يَأتِيَ عَلَيَّ أجَلي .