ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، إذا رَأَيتَها تَنفَجِرُ دَماً عَبيطاً فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ قَد قُتِلَ بِها ودُفِنَ بِها .
قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَوَاللَّهِ ، لَقَد كُنتُ أحفَظُها أكثَرَ مِن حِفظي لِبَعضِ مَا افتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ ، وأنَا لا أحُلُّها مِن طَرَفِ كُمّي ، فَبَينا أنَا فِي البَيتِ نائِمٌ إذِ انتَبَهتُ ، فَإِذا هِيَ تَسيلُ دَماً عَبيطاً ، وكانَ كُمّي قَدِ امتَلَأَت دَماً عَبيطاً ، فَجَلَستُ وأنَا أبكي وقُلتُ : قُتِلَ وَاللَّهِ الحُسَينُ عليه السلام ! وَاللَّهِ ما كَذَبَني عَلِيٌّ قَطُّ في حَديثٍ حَدَّثَني ، ولا أخبَرَني بِشَيءٍ قَطُّ أنَّهُ يَكونُ إلّا كانَ كَذلِكَ ؛ لِأَنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كانَ يُخبِرُهُ بِأَشياءَ لا يُخبِرُ بِها غَيرَهُ ، فَفَزِعتُ وخَرَجتُ ، وذلِكَ كانَ عِندَ الفَجرِ ، فَرَأَيتُ - وَاللَّهِ - المَدينَةَ كَأَنَّها ضَبابٌ ، لا يَستَبينُ فيها أثَرُ عَينٍ ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ ، فَرَأَيتُ كَأَنَّها كاسِفَةٌ ، ورَأَيتُ كَأَنَّ حيطانَ المَدينَةِ عَلَيها دَمٌ عَبيطٌ ، فَجَلَستُ وأنَا باكٍ ، وقُلتُ : قَد قُتِلَ وَاللَّهِ الحُسَينُ عليه السلام ، فَسَمِعتُ صَوتاً مِن ناحِيَةِ البَيتِ ، وهُوَ يَقولُ :
اِصبِروا آلَ الرَّسولِقُتِلَ الفَرخُ النُّحولُ ۱
نَزَلَ الرّوحُ الأَمينُبِبُكاءٍ وعَويلٍ
ثُمَّ بَكى بِأَعلى صَوتِهِ وبَكَيتُ ، وأثبَتُّ عِندي تِلكَ السّاعَةَ ، وكانَ شَهرُ المُحَرَّمِ ويَومَ عاشوراءَ لِعَشرٍ مَضَينَ مِنهُ ، فَوَجَدتُهُ يَومَ وَرَدَ عَلَينا خَبَرُهُ وتاريخُهُ كَذلِكَ ، فَحَدَّثتُ بِهذَا الحَديثِ اُولئِكَ الَّذينَ كانوا مَعَهُ ، فَقالوا : وَاللَّهِ ، لَقَد سَمِعنا ما سَمِعتَ ونَحنُ فِي المَعرَكَةِ ، لا نَدري ما هُوَ ، فَكُنّا نَرى أنَّهُ الخِضرُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ وعَلَى الحُسَينِ . ۲
۱۲۱.الفتوح : سارَ [عَلِيٌّ عليه السلام] حَتّى نَزَلَ بِدَيرِ كَعبٍ ، فَأَقامَ هُنالِكَ باقِيَ يَومِهِ ولَيلَتِهِ . وأصبَحَ سائِراً حَتّى نَزَلَ بِكَربَلاءَ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى شاطِئِ الفُراتِ ، وأبصَرَ هُنالِكَ نَخيلاً ، فَقالَ : يَابنَ