281
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، إذا رَأَيتَها تَنفَجِرُ دَماً عَبيطاً فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ قَد قُتِلَ بِها ودُفِنَ بِها .
قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَوَاللَّهِ ، لَقَد كُنتُ أحفَظُها أكثَرَ مِن حِفظي لِبَعضِ مَا افتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ ، وأنَا لا أحُلُّها مِن طَرَفِ كُمّي ، فَبَينا أنَا فِي البَيتِ نائِمٌ إذِ انتَبَهتُ ، فَإِذا هِيَ تَسيلُ دَماً عَبيطاً ، وكانَ كُمّي قَدِ امتَلَأَت دَماً عَبيطاً ، فَجَلَستُ وأنَا أبكي وقُلتُ : قُتِلَ وَاللَّهِ الحُسَينُ عليه السلام ! وَاللَّهِ ما كَذَبَني عَلِيٌّ قَطُّ في حَديثٍ حَدَّثَني ، ولا أخبَرَني بِشَي‏ءٍ قَطُّ أنَّهُ يَكونُ إلّا كانَ كَذلِكَ ؛ لِأَنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كانَ يُخبِرُهُ بِأَشياءَ لا يُخبِرُ بِها غَيرَهُ ، فَفَزِعتُ وخَرَجتُ ، وذلِكَ كانَ عِندَ الفَجرِ ، فَرَأَيتُ - وَاللَّهِ - المَدينَةَ كَأَنَّها ضَبابٌ ، لا يَستَبينُ فيها أثَرُ عَينٍ ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ ، فَرَأَيتُ كَأَنَّها كاسِفَةٌ ، ورَأَيتُ كَأَنَّ حيطانَ المَدينَةِ عَلَيها دَمٌ عَبيطٌ ، فَجَلَستُ وأنَا باكٍ ، وقُلتُ : قَد قُتِلَ وَاللَّهِ الحُسَينُ عليه السلام ، فَسَمِعتُ صَوتاً مِن ناحِيَةِ البَيتِ ، وهُوَ يَقولُ :

اِصبِروا آلَ الرَّسولِ‏قُتِلَ الفَرخُ النُّحولُ ۱
نَزَلَ الرّوحُ الأَمينُ‏بِبُكاءٍ وعَويلٍ‏
ثُمَّ بَكى‏ بِأَعلى‏ صَوتِهِ وبَكَيتُ ، وأثبَتُّ عِندي تِلكَ السّاعَةَ ، وكانَ شَهرُ المُحَرَّمِ ويَومَ عاشوراءَ لِعَشرٍ مَضَينَ مِنهُ ، فَوَجَدتُهُ يَومَ وَرَدَ عَلَينا خَبَرُهُ وتاريخُهُ كَذلِكَ ، فَحَدَّثتُ بِهذَا الحَديثِ اُولئِكَ الَّذينَ كانوا مَعَهُ ، فَقالوا : وَاللَّهِ ، لَقَد سَمِعنا ما سَمِعتَ ونَحنُ فِي المَعرَكَةِ ، لا نَدري ما هُوَ ، فَكُنّا نَرى‏ أنَّهُ الخِضرُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ وعَلَى الحُسَينِ . ۲

۱۲۱.الفتوح : سارَ [عَلِيٌّ عليه السلام‏] حَتّى‏ نَزَلَ بِدَيرِ كَعبٍ ، فَأَقامَ هُنالِكَ باقِيَ يَومِهِ ولَيلَتِهِ . وأصبَحَ سائِراً حَتّى‏ نَزَلَ بِكَربَلاءَ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى‏ شاطِئِ الفُراتِ ، وأبصَرَ هُنالِكَ نَخيلاً ، فَقالَ : يَابنَ

1.نَحلَ جسمه نُحولاً : ذهب من مرض أو سفر فهو ، ناحلٌ ونَحيل (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۵۵ «نحل») .

2.كمال الدين : ص ۵۳۲ ح ۱ ، الأمالي للصدوق : ص ۶۹۴ ح ۹۵۱ ، الخرائج والجرائح : ج ۳ ص ۱۱۴۴ ح ۵۶ نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۲۵۲ ح ۲۰ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
280

ثُمَّ قالَ لي : يَابنَ عَبّاسٍ ، اُطلُب لي حَولَها بَعرَ الظِّباءِ ، فَوَ اللَّهِ ، ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ قَطُّ ، وهِيَ مُصفَرَّةٌ ، لَونُها لَونُ الزَّعفَرانِ .
قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَطَلَبتُها ، فَوَجَدتُها مُجتَمِعَةً ، فَنادَيتُهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد أصَبتُها عَلَى الصِّفَةِ الَّتي وَصَفتَها لي .
فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : صَدَقَ اللَّهُ ورَسولُهُ . ثُمَّ قامَ عليه السلام يُهَروِلُ إلَيها ، فَحَمَلَها وشَمَّها ، وقالَ : هِيَ هِيَ بِعَينِها ، تَعلَمُ - يَابنَ عَبّاسٍ - ما هذِهِ الأَبعارُ ؟ هذِهِ قَد شَمَّها عيسَى بنُ مَريَمَ عليه السلام ، وذلِكَ أنَّهُ مَرَّ بِها ومَعَهُ الحَوارِيّونَ فَرَأى‏ هذِهِ الظِّباءَ مُجتَمِعَةً ، فَأَقبَلَت إلَيهِ الظِّباءُ وهِيَ تَبكي ، فَجَلَسَ عيسى‏ عليه السلام وجَلَسَ الحَوارِيّونَ ، فَبَكى‏ وبَكَى الحَوارِيّونَ ، وهُم لا يَدرونَ لِمَ جَلَسَ ولِمَ بَكى‏ .
فَقالوا : يا روحَ اللَّهِ وكَلِمَتَهُ ، ما يُبكيكَ ؟ ! قالَ : أتَعلَمونَ أيَّ أرضٍ هذِهِ ؟ قالوا : لا .
قالَ : هذِهِ أرضٌ يُقتَلُ فيها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ ، وفَرخُ الحُرَّةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ شَبيهَةِ اُمّي ، ويُلحَدُ فيها ، وهِيَ أطيَبُ مِنَ المِسكِ ، وهِيَ طينَةُ الفَرخِ المُستَشهَدِ ، وهكَذا تَكونُ طينَةُ الأَنبِياءِ وأولادِ الأَنبِياءِ ، فَهذِهِ الظِّباءُ تُكَلِّمُني وتَقولُ : إنَّها تَرعى‏ في هذِهِ الأَرضِ شَوقاً إلى‏ تُربَةِ الفَرخِ المُبارَكِ ، وزَعَمَت أنَّها آمِنَةٌ في هذِهِ الأَرضِ .
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إلى‏ هذِهِ الصِّيرانِ ، فَشَمَّها ، فَقالَ : هذِهِ بَعرُ الظِّباءِ عَلى‏ هذَا الطّيبِ ؛ لِمَكانِ حَشيشِها ۱ ، اللَّهُمَّ أبقِها أبَداً حَتّى‏ يَشُمَّها أبوهُ ، فَتَكونَ لَهُ عَزاءً وسَلوَةً ، قالَ : فَبَقِيَت إلى‏ يَومِ النّاسِ هذا ، وقَدِ اصفَرَّت لِطولِ زَمَنِها ، هذِهِ أرضُ كَربٍ وبَلاءٍ .
وقالَ بِأَعلى‏ صَوتِهِ : يا رَبَّ عيسَى بنِ مَريَمَ ، لا تُبارِك في قَتَلَتِهِ ، وَالحامِلِ عَلَيهِ ، وَالمُعينِ عَلَيهِ ، وَالخاذِلِ لَهُ ، ثُمَّ بَكى‏ بُكاءً طَويلاً ، وبَكَينا مَعَهُ حَتّى‏ سَقَطَ لِوَجهِهِ وغُشِيَ عَلَيهِ طَويلاً ، ثُمَّ أفاقَ ، فَأَخَذَ البَعرَ ، فَصَرَّها في رِدائِهِ ، وأمَرَني أن أصُرَّها كَذلِكَ .

1.في الطبعة المعتمدة : «على هذه الطيب المكان حشيشها» ، والتصويب من طبعة بيروت - مؤسّسة الأعلمي .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11840
صفحه از 850
پرینت  ارسال به