ومارسوه في بيوتهم وأوساطهم، كما كان يقام في عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، إلّا أنّ تكتّم الشيعة من جهة، والتعتيم الإعلامي للحكومة من جهة اُخرى، حالا دون انعكاس هذه المراسم في المصادر التاريخيّة .
المرحلة الرابعة (اكتساب مراسم العزاء في محرّم الطابع الرسمي في القرنين الرابع والخامس الهجريّين)
في بداية القرن الرابع الهجري تأسّست دولة البويهيّين ۱ في إيران ، ودولة الفاطميّين ۲ في شمال أفريقيا ، واتّسع نطاقهما تدريجياً . وفي النصف الثاني من القرن الرابع كانت إيران (عدا مناطقها الشرقية) ووسط العراق، تحت سيطرة البويهيين ، كما كان الشمال الشرقي من أفريقيا والشام وفلسطين تحت سيطرة الفاطميين. وفي عام ۳۵۲ه . ق ، دعا معزّ الدولة الديلمي حاكم بغداد البويهيّ الناسَ إلى إقامة العزاء في يوم عاشوراء وفي الطرقات ۳ ؛ وبذلك اكتسب العزاء الطابع الرسمي. وقام الفاطميّون في مصر بالعمل نفسه
1.مسقط رأس البويهيين هو منطقة الديلم الإيرانية (وهي محافظة جيلان الفعلية) وكانت هذه المنطقة والمناطق حولها نظير طبرستان من المناطق الشيعية، خاصّة وأنّها كانت قد جرّبت دولة العلويين لفترة. ولذلك فقد عُرفوا أيضاً باسم «الديلميين»، كما اشتهروا باعتناق المذهب الشيعي.
2.أثّرت جهود الدعاة الإسماعيليين في عام ۲۹۶ ه . ق ، وأسّس عبيد اللَّه المهدي دولة الإسماعيليين المعروفين ب «الفاطميين» بنزعة شيعية إسماعيلية، في المغرب ، وهيّأ الفراغ الذي تركته دولة المقتدر في مصر الأرضيةَ لاستيلاء الفاطميين على هذا البلد في سنة ۳۶۲ه . ق ، ونقلوا حاضرة خلافتهم إلى الفسطاط في مصر. وقد وسعت هذه الدولة من رقعتها تدريجياً واستولت على الشام والحجاز أيضاً. استمرّ عهد حكم الفاطميين لأكثر من قرنين، وانتهى بموت العاضد - آخر الخلفاء الفاطميين - عام ۵۶۸ ه . ق .
3.ذكر المؤرّخون في حوادث سنة ۳۵۲ه : في هذه السنة عاشر المحرّم أمر معزّ الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم ، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء ، وأن يظهروا النياحة ، ويلبسوا قباباً عملوها بالمسوح ، وأن يخرج النساء منشورات الشعور، مسوّدات الوجوه، قد شققن ثيابهنّ ، يدرن في البلد بالنوائح، ويلطمن وجوههنّ على الحسين بن عليّ عليه السلام ، ففعل الناس ذلك ، ولم يكن للسنّة قدرة على المنع منه؛ لكثرة الشيعة ، ولأنّ السلطان معهم (الكامل في التاريخ : ج ۵ ص ۳۳۱، المنتظم : ج ۱۴ ص ۱۵۰، النجوم الزاهرة : ج ۲ ص ۳۳۴، البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۲۷۶) .