127
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل

من أفواه اُولئك العطاشى) . ۱
ولكن هل يقتصر تاريخ عاشوراء على هذا الوجه فقط؟ هل هو رثاء ومصيبة فقط وليس شيئاً آخر؟!
هذا هو الخطأ ؛ فإنّ لهذا التاريخ وجهاً آخر أيضاً بطله ليس يزيد بن معاوية، ولا ابن زياد، ولا شمراً ، بل بطله الحسين . ولا وجود للجريمة ولا للمأساة في هذا الوجه، بل فيها الملحمة والفخر والنور ، وتجلّي الحقيقة والإنسانية، وتجلّي العبودية للَّه سبحانه . وعندما ننظر إلى هذا الوجه نقول : إنّ من حقّ البشرية أن تفتخر بنفسها ، ولكنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نرى البشريّة تطأطئ رأسها وترى نفسها مصداقاً للآية :
(قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ) ! ۲
ومن المسلّم به أنّ جبرئيل لا يتساءل قائلاً : (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ) في مقابل قول اللَّه تعالى : (إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، ۳ وإنّما الذي يتساءل هو الملائكة التي كانت لا ترى سوى‏ الوجه الأسود للبشرية ، ولم تكن ترى الوجه الآخر ، فأجابها اللَّه تعالى‏ : (إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) . ۴
إنّ تلك الصفحة هي الصفحة التي يعترض بسببها الملائكة ، ويكون فيها البشر مُطَأطِئي الرؤوس . وأمّا هذه الصفحة فهي التي تفتخر بها البشرية .
فلماذا يجب أن نطالع حادثة كربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا يجب الحديث عن جرائم كربلاء دوماً؟! ولماذا يجب أن ندرس شخصية الحسين بن عليّ من منظار تعرّضه لجريمة المجرمين دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التي نهتف بها ونكتبها باسم الحسين بن عليّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لا

1.هذه الجملة تعريبُ بيتٍ بالفارسية من ديوان محتشم الكاشاني ، وأصل البيت هو : زان تشنگان هنوز به عَيّوق مي‏رسدفرياد «اَلعَطَش» ز بيابان كربلا

2.البقرة : ۳۰ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
126

صحيح هذا الحادث المهمّ في التاريخ الإسلامي . ۱
يقول الاُستاذ المطهّري في هذا المجال:
لحادثة عاشوراء وتاريخ كربلاء وجهان، وجه أبيض ونوراني، ووجه أسود وظلماني ، وكلاهما عديما النظير، أو قليلا النظير.
فأمّا الوجه الأسود والمظلم، فإنّه أسود ومظلم لأنّنا لا نرى فيه سوى الجريمة المنقطعة النظير أو القليلة النظير... .
فمن وجهة النظر هذه، تعدّ حادثة كربلاء جريمة ومأساة، مصيبة ورثاء. وعندما ننظر إلى هذا الوجه نرى فيه قتل الأبرياء وقتل الشاب، وقتل الطفل الرضيع، كما نرى فيه وطء الخيول بحوافرها أجساد القتلى ، ومنع الماء عن العطاشى ، وضرب النساء والأطفال بالسياط، وحمل الأسرى على الجمال دون هوادج ووطاء . فمن هذه النظرة من هو البطل في هذه الحادثة؟ من الواضح أنّنا عندما ننظر إلى هذا الحدث من بُعد الجريمة، فإنّ من يتحمّل تلك المصائب والجرائم لا يعدّ بطلاً، وإنّما هو مظلوم. وإنّما البطل في هذه النظرة وهذا البعد هو يزيد بن معاوية، وعبيد اللَّه بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وخولى ، وعدد آخر . ولذلك فنحن حينما نطالع هذه الصفحة السوداء ، لا نرى فيها سوى الجريمة ورثاء البشرية! فماذا علينا أن نقول إن أردنا أن ننظم الشعر؟ علينا أن ننظم المراثي ، وليس هناك من شي‏ء نقوله سوى نظم المراثي .
علينا أن نقول:
(لا تزال صرخة «العطش» تنطلق من صحراء كربلاء وتصل إلى كوكب العيّوق ۲ ،

1.في معرفة أهداف الإمام الحسين عليه السلام والتحريفات التي وقعت في هذا الموضوع ، راجع : هذا الكتاب : ص ۵۷؛ عاشوراشناسى ؛ جامعه‏شناسى ؛ تحريفات عاشورا ؛ عاشورا نامه (ج ۲)؛ جريان‏شناسى تاريخى قرائت‏ها و رويكردها به عاشورا از صفويّه تا مشروطه (كلّها بالفارسيّة) .

2.العَيّوق : نجم أحمر مضي‏ء في طرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثريّا لا يتقدّمه (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۲۸۰ «عوق») .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11874
صفحه از 850
پرینت  ارسال به