85
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

قالَ : فَخَرَجَ بِها لَيلاً حَتّى‏ أتى‏ حُسَيناً عليه السلام ، فَأَقامَ مَعَهُ ، فَلَمّا دَنا مِنهُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ ورَمى‏ بِسَهمٍ ارتَمَى النّاسُ ، فَلَمَّا ارتَمَوا خَرَجَ يَسارٌ مَولى‏ زِيادِ بنِ أبي سُفيانَ وسالِمٌ مَولى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، فَقالا : مَن يُبارِزُ ؟ لِيَخرُج إلَينا بَعضُكُم .
قالَ : فَوَثَبَ حَبيبُ بنُ مُظاهِرٍ وبُرَيرُ بنُ حُضَيرٍ ، فَقالَ لَهُما حُسَينٌ عليه السلام : اِجلِسا ، فَقامَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَيرٍ الكَلبِيُّ فَقالَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ، رَحِمَكَ اللَّهُ ، ائذَن لي فَلأَخرُج إلَيهِما ، فَرَأى‏ حُسَينٌ عليه السلام رَجُلاً آدَمَ ۱ طَويلاً شَديدَ السّاعِدَينِ بَعيدَ ما بَينَ المَنكِبَينِ .
فَقالَ حُسَينٌ عليه السلام : إنّي لَأَحسَبُهُ لِلأَقرانِ قَتّالاً ، اخرُج إن شِئتَ ، قالَ : فَخَرَجَ إلَيهِما ، فَقالا لَهُ : مَن أنتَ ؟ فَانتَسَبَ لَهُما ، فَقالا : لا نَعرِفُكَ ، لِيَخرُج إلَينا زُهَيرُ بنُ القَينِ أو حَبيبُ بنُ مُظاهِرٍ أو بُرَيرُ بنُ حُضَيرٍ ، ويَسارٌ مُستَنتِلٌ ۲ أمامَ سالِمٍ .
فَقالَ لَهُ الكَلبِيُّ : يَابنَ الزّانِيَةِ ، وبِكَ رَغبَةٌ عَن مُبارَزَةِ أحَدٍ مِنَ النّاسِ ؟ وما يَخرُجُ إلَيكَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ إلّا وهُوَ خَيرٌ مِنكَ ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيهِ فَضَرَبَهُ بِسَيفِهِ حَتّى‏ بَرَدَ ، فَإِنَّهُ لَمُشتَغِلٌ بَهَ يَضرِبُهُ بِسَيفِهِ إذ شَدَّ عَلَيهِ سالِمٌ ، فَصاحَ [أيِ النّاسُ‏] بِهِ : قَد رَهِقَكَ ۳ العَبدُ ، قالَ : فَلَم يَأبَه لَهُ حَتّى‏ غَشِيَهُ فَبَدَرَهُ الضَّربَةَ ، فَاتَّقاهُ الكَلبِيُّ بِيَدِهِ اليُسرى‏ ، فَأَطارَ أصابِعَ كَفِّهِ اليُسرى‏ ، ثُمَّ مالَ عَلَيهِ الكَلبِيُّ فَضَرَبَهُ حَتّى‏ قَتَلَهُ .
وأقبَلَ الكَلبِيُّ مُرتَجِزاً وهُوَ يَقولُ ، وقَد قَتَلَهُما جَميعاً :

إن تُنكِروني فَأَنَا ابنُ كَلبِ‏حَسبي بَيتي في عُلَيمٍ حَسبي‏
إنِّي امرُؤٌ ذو مِرَّةٍ ۴ وعَصبِ ۵ولَستُ بِالخَوّارِ ۶ عِندَ النَّكبِ‏
إنّي زَعيمٌ لَكِ اُمَّ وَهبِ‏بِالطَّعنِ فيهِم مُقدِماً وَالضَّربِ‏
ضَربِ غُلامٍ مُؤمِنٍ بِالرَّبِ‏
فَأَخَذَت اُمُّ وَهبٍ امرَأَتُهُ عَموداً ، ثُمَّ أقبَلَت نَحوَ زَوجِها تَقولُ لَهُ : فِداكَ أبي واُمّي ! قاتِل دونَ الطَّيِّبينَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَأَقبَلَ إلَيها يَرُدُّها نَحوَ النِّساءِ ، فَأَخَذَت تُجاذِبُ ثَوبَهُ ، ثُمَّ قالَت : إنّي لَن أدَعَكَ دونَ أن أموتَ مَعَكَ .
فَناداها حُسَينٌ عليه السلام فَقالَ : جُزيتُم مِن أهلِ بَيتٍ خَيراً ، ارجِعي رَحِمَكِ اللَّهُ إلَى النِّساءِ فَاجلِسي مَعَهُنَّ ، فَإِنَّهُ لَيسَ عَلَى النِّساءِ قِتالٌ . فَانصَرَفَت إلَيهِنَّ ... . قالَ أبو مِخنَفٍ : حَدَّثَنِي الحُسَينُ بنُ عُقبَةَ المُرادِيُّ : قالَ الزُّبَيدِيُّ : ... وحَمَلَ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ فِي المَيسَرَةِ عَلى‏ أهلِ المَيسَرَةِ ، فَثَبَتوا لَهُ فَطاعَنوهُ وأصحابَهُ ، وحُمِلَ عَلى‏ حُسَينٍ عليه السلام وأصحابِهِ مِن كُلِّ جانِبٍ ، فَقُتِلَ الكَلبِيُّ ، وقَد قَتَلَ رَجُلَينِ بَعدَ الرَّجُلَينِ الأَوَّلَينِ ، وقاتَلَ قِتالاً شَديداً ، فَحَمَلَ عَلَيهِ هانِئُ بنُ ثُبَيتٍ الحَضرَمِيُّ وبُكَيرُ بنُ حَيٍّ التَّيمِيُّ مِن تَيمِ اللَّهِ بنِ ثَعلَبَةَ فَقَتَلاهُ ، وكانَ القَتيلَ الثّانِيَ مِن أصحابِ الحُسَينِ عليه السلام ... .
قالَ أبو مِخنَفٍ : حَدَّثَني نُمَيرُ بنُ وَعلَةَ : ... وخَرَجَتِ امرَأَةُ الكَلبِيِّ تَمشي إلى‏ زَوجِها حَتّى‏ جَلَسَت عِندَ رَأسِهِ تَمسَحُ عَنهُ التُّرابَ وتَقولُ : هَنيئاً لَكَ الجَنَّةُ ، فَقالَ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ لِغُلامٍ يُسَمّى‏ رُستَمَ : اِضرِب رَأسَها بِالعَمودِ ، فَضَرَبَ رَأسَها فَشَدَخَهُ ۷ فَماتَت مَكانَها . ۸

1.الآدم من الناس : الأسمر (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۵۹ «أدم») .

2.اسْتَنتَلَ : أي تقدّم (النهاية : ج ۵ ص ۱۳ «نتل») .

3.رهق فلانٌ فلاناً : تبعه فقاربَ أن يلحقه (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۱۲۹ «رهق») .

4.المِرَّة : القُوّة والشِّدَّةُ (النهاية : ج ۴ ص ۳۱۶ «مرر») .

5.العَصَبةُ : الأقارب من جهة الأب ، لأنّهم يُعصّبونه ويعتصب بهم (النهاية : ج ۳ ص ۲۴۵ «عصب») .

6.خار يَخورُ : إذا ضعفت قوّته ووهت (النهاية : ج ۲ ص ۸۷ «خور») .

7.شدَختُ رأسه : كسَرتُه (المصباح المنير : ص ۳۰۷ «شدخ») .

8.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۲۹ - ۴۳۸ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۶۴ - ۵۶۶ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۲ ص ۸ وفيه من «فلمّا دنا» إلى «فضربه حتّى قتله» وكلاهما نحوه .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
84

كان مقاتلاً باسلاً شجاعاً ، وقد اختاره الإمام الحسين عليه السلام ليكون أوّل مبارز يبارز العدوّ ؛ فقام بمبارزة اثنين من شجعانهم وأرداهما قتيلين ، وقام بقتل اثنين أيضاً في الهجوم الجماعي للعدوّ لينال بعدها وسام الشهادة ، وكان الثاني من أصحاب الإمام عليه السلام الذين التحقوا برَكب الشهداء .
وبعد شهادة عبد اللَّه أخذت زوجته بالبكاء على جنازته ، فضربها غلام شمر واسمه رستم ، فالتحقت بموكب الشهداء. ۱
وقد ورد في الزيارة الرجبيّة ۲ وزيارة الناحية المقدّسة :
السَّلامُ عَلى‏ عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَيرٍ الكَلبِيِّ . ۳

۹۵۸.تاريخ الطبري عن أبي مخنف عن أبي جناب : كانَ مِنّا رَجُلٌ يُدعى‏ عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَيرٍ ، مِن بَني عُلَيمٍ ، كانَ قَد نَزَلَ الكوفَةَ ، وَاتَّخَذَ عِندَ بِئرِ الجَعدِ مِن هَمدانَ داراً ، وكانَت مَعَهُ امرَأَةٌ لَهُ مِنَ النَّمِرِ بنِ قاسِطٍ ، يُقالُ لَها : اُمُّ وَهبٍ بِنتُ عَبدٍ ، فَرَأَى القَومَ بِالنُّخَيلَةِ ۴ يُعرَضونَ لِيُسَرَّحوا ۵ إلَى الحُسَينِ عليه السلام .
قالَ : فَسَأَلَ عَنهُم ، فَقيلَ لَهُ : يُسَرَّحونَ إلى‏ حُسَينِ بنِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .
فَقالَ : وَاللَّهِ لَقَد كُنتُ عَلى‏ جِهادِ أهلِ الشِّركِ حَريصاً ، وإنّي لَأَرجو ألّا يَكونَ جِهادُ هؤُلاءِ الَّذينَ يَغزونَ ابنَ بِنتِ نَبِيِّهِم أيسَرَ ثَواباً عِندَ اللَّهِ مِن ثَوابِهِ إيّايَ في جِهادِ المُشرِكينَ ، فَدَخَلَ إلَى امرَأَتِهِ فَأَخبَرَها بِما سَمِعَ ، وأعلَمَها بِما يُريدُ ، فَقالَت : أصَبتَ أصابَ اللَّهُ بِكَ أرشَدَ اُمورِكَ ، افعَل وأخرِجني مَعَكَ .

1.نفس المصدر .

2.راجع : موسوعة الإمام الحسين عليه السلام : ج ۸ ص ۱۵۹ ح ۳۵۲۴ .

3.راجع : ص ۸۷۱ ح ۲۱۴۹ .

4.النُّخَيلة : موضع قرب الكوفة على سمت الشام (معجم البلدان : ج ۵ ص ۲۷۸) وراجع : الخريطة رقم ۴ في آخر الكتاب .

5.سرّحت فلاناً إلى موضع كذا إذا أرسلته (لسان العرب : ج ۲ ص ۴۷۹ «سرح») .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14147
صفحه از 952
پرینت  ارسال به