783
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

يَرِدَ عَلَينَا الحَوضَ ، وإنَّ الكَوثَرَ لَيَفرَحُ بِمُحِبِّنا إذا وَرَدَ عَلَيهِ ، حَتّى‏ أنَّهُ لَيُذيقُهُ مِن ضُروبِ الطَّعامِ ما لا يَشتَهي أن يَصدُرَ عَنهُ .
يا مِسمَعُ ! مَن شَرِبَ مِنهُ شَربَةً لَم يَظمَأ بَعدَها أبَداً ، ولَم يَستَقِ بَعدَها أبَداً ، وهُوَ في بردِ الكافورِ ، وريحِ المِسكِ ، وطَعمِ الزَّنجَبيلِ ، أحلى‏ مِنَ العَسَلِ ، وأليَنُ مِنَ الزَّبَدِ ، وأصفى‏ مِنَ الدَّمعِ ، وأذكى‏ مِنَ العَنبَرِ ، يَخرُجُ مِن تَسنيمٍ ۱ ، ويَمُرُّ بِأَنهارِ الجِنانِ ، يَجري عَلى‏ رَضراضِ ۲ الدُّرِّ وَالياقوتِ ، فيهِ مِنَ القُدحانِ أكثَرُ مِن عَدَدِ نُجومِ السَّماءِ ، يوجَدُ ريحُهُ مِن مَسيرَةِ ألفِ عامٍ ، قُدحانُهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وألوانِ الجَوهَرِ ، يَفوحُ في وَجهِ الشّارِبِ مِنهُ كُلُّ فائِحَةٍ حَتّى‏ يَقولَ الشّارِبُ مِنهُ : يا لَيتَني تُرِكتُ هاهُنا لا أبغي بِهذا بَدَلاً ، ولا عَنهُ تَحويلاً .
أما إنَّكَ - يا كِردينُ - مِمَّن تَروى‏ مِنهُ ، وما مِن عَينٍ بَكَت لَنا إلّا نُعِّمَت بِالنَّظَرِ إلَى الكَوثَرِ ، وسُقِيَت مِنهُ مَن أحَبَّنا ، وإنَّ الشّارِبَ مِنهُ لَيُعطى‏ مِنَ اللَّذَّةِ وَالطَّعمِ وَالشَّهوَةِ لَهُ أكثَرَ مِمّا يُعطاهُ مَن هُوَ دونَهُ في حُبِّنا ، وإنَّ عَلَى الكَوثَرِ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وفي يَدِهِ عَصاً مِن عَوسَجٍ ۳ ، يُحَطِّمُ بِها أعداءَنا، فَيَقولُ الرَّجُلُ مِنهُم : إنّي أشهَدُ الشَّهادَتَينِ ، فَيَقولُ : اِنطَلِق إلى‏ إمامِكَ فُلانٍ فَاسأَلهُ أن يَشفَعَ لَكَ ، فَيَقولُ : يَتَبَرَّأُ مِنّي إمامِيَ الَّذي تَذكُرُهُ ، فَيقولُ : اِرجِع إلى‏ وَرائِكَ فَقُل لِلَّذي كُنتَ تَتَوَلّاهُ وتُقَدِّمُهُ عَلَى الخَلقِ ، فَاسأَلهُ إذا كاَنَ خَيرَ الخَلقِ عِندَكَ أن يَشفَعَ لَكَ ، فَإِنَّ خَيرَ الخَلقِ حَقيقٌ أن لا يُرَدَّ إذا شُفِّعَ ، فَيَقولُ : إنّي أهلِكُ عَطَشاً ، فَيَقولُ لَهُ : زادَكَ اللَّهُ ظَمَأً ، وزادَكَ اللَّهُ عَطَشاً .
قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ! وكَيفَ يَقدِرُ عَلَى الدُّنُوِّ مِنَ الحَوضِ ولَم يَقدِر عَلَيهِ غَيرُهُ ؟ فَقالَ : وَرِعَ عَن أشياءَ قَبيحَةٍ ، وكَفَّ عَن شَتمِنا أهلَ البَيتِ إذا ذَكَرَنا ، وتَرَكَ أشياءَ اجتَرى‏ عَلَيها غَيرُهُ ، ولَيسَ ذلِكَ لِحُبِّنا ولا لِهَوىً مِنهُ لَنا ، ولكِن ذلِكَ لِشِدَّةِ اجتِهادِهِ في

1.تَسْنيم : قيل : عين في الجنّة رفيعة القدر (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۲۹ «سنم»).

2.الرَّضْراضُ : الحَصَى الصغار (النهاية : ج ۲ ص ۲۲۹ «رضرض») .

3.العَوْسَجُ : شجر من شجر الشوك . . . يصلب عوده (تاج العروس : ج ۳ ص ۴۳۳ «عسج») .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
782

سَمِعَ بُكاءَهُ مِنَ المَلائِكَةِ فِي السَّماءِ وفِي الحائِرِ ۱ ، ويَنقَلِبُ وما عَلَيهِ مِن ذَنبٍ. ۲

۲۰۱۲.كامل الزيارات عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري : قالَ لي أبو عَبدِ اللَّهِ عليه السلام: يا مِسمَعُ ، أنتَ مِن أهلِ العِراقِ ، أما تَأتي قَبرَ الحُسَينِ عليه السلام؟ قُلتُ : لا ، أنَا رَجُلٌ مَشهورٌ عِندَ أهلِ البَصرَةِ ، وعِندَنا مَن يَتبَعُ هَوى‏ هذَا الخَليفَةِ ، وعَدُوُّنا كَثيرٌ مِن أهلِ القَبائِلِ مِنَ النُّصّابِ وغَيرِهِم ، ولَستُ آمَنُهُم أن يَرفَعوا حالي عِندَ وَلَدِ سُلَيمانَ ، فَيُمَثِّلونَ بي .
قالَ لي : أفَما تَذكُرُ ما صُنِعَ بِهِ؟ قُلتُ : نَعَم ، قالَ : فَتَجزَعُ ؟ قُلتُ : إي وَاللَّهِ ، وأستَعبِرُ ۳ لِذلِكَ حَتّى‏ يَرى‏ أهلي أثَرَ ذلِكَ عَلَيَّ ، فَأَمتَنِعُ مِنَ الطَّعامِ حَتّى‏ يَستَبينَ ذلِكَ في وَجهي .
قالَ : رَحِمَ اللَّهُ دَمعَتَكَ ، أما أنَّكَ مِنَ الَّذينَ يُعَدّونَ مِن أهلِ الجَزَعِ لَنا ، وَالَّذينَ يَفرَحونَ لِفَرَحِنا ، ويَحزَنونَ لِحُزنِنا ، ويَخافونَ لِخَوفِنا ، ويَأمَنونَ إذا آمَنّا ، أما أنَّكَ سَتَرى‏ عِندَ مَوتِكَ حُضورَ آبائي لَكَ ، ووَصِيَّتَهُم مَلَكَ المَوتِ بِكَ ، وما يَلقَونَكَ بِهِ مِنَ البِشارَةِ أفضَلُ ، ومَلَكُ المَوتِ أرَقُّ عَلَيكَ وأشَدُّ رَحمَةً لَكَ مِنَ الاُمِّ الشَّفيقَةِ عَلى‏ وَلَدِها .
قالَ : ثُمَّ استَعبَرَ وَاستَعبَرتُ مَعَهُ .
فَقالَ : الحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي فَضَّلَنا عَلى‏ خَلقِهِ بِالرَّحمَةِ ، وخَصَّنا أهلَ البَيتِ بِالرَّحمَةِ .
يا مِسمَعُ ! إنَّ الأَرضَ وَالسَّماءَ لَتَبكي مُنذُ قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام رَحمَةً لَنا ، وما بَكى‏ لَنا مِنَ المَلائِكَةِ أكثَرُ ، وما رَقَأَت ۴ دُموعُ المَلائِكَةِ مُنذُ قُتِلنا ، وما بَكى‏ أحَدٌ رَحمَةً لَنا ولِما لَقينا ، إلّا رَحِمَهُ اللَّهُ قَبلَ أن تَخرُجَ الدَّمعَةُ مِن عَينِهِ ، فَإِذا سالَت دُموعُهُ عَلى‏ خَدِّهِ ، فَلَو أنَّ قَطرَةً مِن دُموعِهِ سَقَطَت في جَهَنَّمَ لَأَطفَأَت حَرَّها حَتّى‏ لا يوجَدُ لَها حَرٌّ ، وإنَّ الموجَعَ قَلبُهُ لَنا لَيَفرَحُ يَومَ يَرانا عِندَ مَوتِهِ ، فَرحَةً لا تَزالُ تِلكَ الفَرحَةُ في قَلبِهِ حَتّى‏

1.الحَائرُ : يُراد به حائر الحسين عليه السلام ، وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرّفه السلام (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۴۷۹ «حير») .

2.كامل الزيارات : ص ۵۴۴ ح ۸۳۰ ، بحار الأنوار : ج ۲۵ ص ۳۷۶ ح ۲۴ .

3.اسْتَعْبَرَ : هو استفعل من العَبْرَة ؛ وهي تحلّب الدمع (النهاية : ج ۳ ص ۱۷۱ «عبر») .

4.رَقَأ الدّمْعُ : سَكَنَ (الصحاح : ج ۱ ص ۵۳ «رقأ») .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 13917
صفحه از 952
پرینت  ارسال به