65
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

وبعد رجوعه من لدن الإمام عليه السلام حكى زهير هذه الذكرى لرفاقه لعلّه يستجذبهم معه، فخاطبهم قائلاً :
مَن أحَبَّ مِنكُم أن يَتبَعَني ، وإلّا فَإِنَّهُ آخِرُ العَهدِ ، إنّي سَاُحَدِّثُكُم حَديثاً :
غَزَونا بَلَنجَرَ ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَينا ، وأصَبنا غَنائِمَ ، فَقالَ لَنا سَلمانُ الباهِلِيُّ : أفَرِحتُم بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيكُم ، وأصَبتُم مِنَ الغَنائِمِ ؟! فَقُلنا : نَعَم ، فَقالَ لَنا : إذا أدرَكتُم شَبابَ آلِ مُحَمَّدٍ فَكونوا أشَدَّ فَرَحاً بِقِتالِكُم مَعَهُم مِنكُم بِما أصَبتُم مِنَ الغَنائِمِ ، فَأَمّا أنا ، فَإِنّي أستَودِعُكُمُ اللَّهَ . ۱

واستمرّ قائلاً :
مَن أحَبَّ مِنكُمُ الشَّهادَةَ فَليَقُم ، ومَن كَرِهَها فَليَتَقَدَّم .
فلم يقم معه منهم أحد . ۲ وبعد هذه اللحظة المصيريّة التحق زهيرٌ بصفوف أصحاب الإمام الراسخين ، بحيث أنّه حينما خاطب الإمام عليه السلام أصحابه :
ألا وإنّي لَأَظُنُّ إنّه آخِرُ يَومٍ لَنا مِن هؤُلاءِ . ألا وإنّي قَد أذِنتُ لَكُم ، فَانطَلِقوا جَميعاً في حِلّ ، لَيسَ عَلَيكُم مِنّي ذِمامٌ ، هذَا اللَّيلُ قَد غَشِيَكُم ، فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً . ۳
فوقف زهير وأبدى وفاءه للإمام بهذه العبارات الجميلة والعجيبة :
وَاللَّهِ ، لَوَدِدتُ أنّي قُتِلتُ ، ثُمَّ نُشِرتُ ، ثُمَّ قُتِلتُ حَتّى‏ اُقتَلَ كَذا ألفَ قَتلَةٍ ، وأنَّ اللَّهَ يَدفَعُ بِذلِكَ القَتلَ عَن نَفسِكَ وعَن أنفُسِ هؤُلاءِ الفِتيَةِ مِن أهلِ بَيتِكَ . ۴
وفي ظهر عاشوراء وقف زهير إلى جانب سعد بن عبد اللَّه الحنفيّ مع النصف الباقين من أصحاب الإمام ليشكّلوا ساتراً دفاعيّاً للإمام، فإنّهم وقفوا أمام الإمام

1.راجع : ج ۱ ص ۶۴۵ ح ۶۸۲ .

2.راجع : ج ۱ ص ۶۴۵ ح ۶۸۳ .

3.الإرشاد : ج ۲ ص ۹۱ وراجع : هذا الكتاب : ج ۱ ص ۷۴۸ (الفصل الأوّل / كلام الإمام عليه السلام مع أهل بيته وأصحابه وعرضه عليهم الانصراف عنه جميعاً) .

4.راجع : ص ۶۴۶ ح ۸۱۰ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
64

وممّا يؤيّد ذلك أيضاً اشتراكه في حرب بلنجر بقيادة سلمان الباهلي في عهد حكم عثمان ، ۱ وعدم وجود روايات بخصوص تواجده في الحروب التي حدثت في فترة حكم الإمام عليّ عليه السلام ، وكذلك عدم رغبة زهير للالتقاء بالإمام الحسين عليه السلام في مسيره إلى الكوفة .
وأمّا في منزل زرود، فعندما دعاه رسول الإمام عليه السلام للالتقاء به، حضر عند الإمام الحسين عليه السلام بتحريض من زوجته ، ولم يمض طويل وقت حتّى رجع إلى خيمته بوجه مستبشر ، يدلّ على تغييرٍ أساسيّ في معنويّاته ، وأمر أن تنقل خيمته إلى مقربة من خيام الإمام الحسين عليه السلام . ۲
وقد أشار إلى هذا التغيير الذي طرأ عليه عندما وعظ جيش ابن زياد في عصر اليوم التاسع من محرّم ، فقالوا له :
يا زهير ، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، إنّما كنت عثمانيّاً !
فأجابهم زهير قائلاً :
أفَلَستَ تَستَدِلُّ بِمَوقِفي هذا أنّي مِنهُم ! أما وَاللَّهِ ، ما كَتَبتُ إلَيهِ كِتاباً قَطُّ ، ولا أرسَلتُ إلَيهِ رَسولاً قَطُّ ، ولا وَعَدتُهُ نُصرَتي قَطُّ ، ولكِنَّ الطَّريقَ جَمَعَ بَيني وبَينَهُ ، فَلَمّا رَأَيتُهُ ذَكَرتُ بِهِ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ومَكانَهُ مِنهُ ، وعَرَفتُ ما يُقدَمُ عَلَيهِ مِن عَدُوِّهِ وحِزبِكُم ، فَرَأَيتُ أن أنصُرَهُ ، وأن أكونَ في حِزبِهِ ، وأن أجعَلَ نَفسي دونَ نَفسِهِ ، حِفظاً لِما ضَيَّعتُم مِن حَقِّ اللَّهِ وحَقِّ رَسولِهِ صلى اللَّه عليه وآله . ۳
ولا نعلم ما قاله الإمام عليه السلام لزهير في هذا اللقاء القصير ، إلّا أنّه يبدو من الكلام الذي أدلى به إلى أصحابه عند الوداع، بأنّ إحدى المسائل التي أبداها الإمام الحسين عليه السلام له ، هي التذكير بذكرى مهمّة وسارّة من ذكريات حرب بلنجر .

1.نفس المصدر .

2.راجع : ج ۱ ص ۷۴۳ ح ۸۰۳.

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14305
صفحه از 952
پرینت  ارسال به