577
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

ولكن سوء تدبير ابن الزبير وتعامله السيّئ مع الناس وخاصّة مع بني هاشم ، أدّيا إلى أن يفقد قاعدته الشعبيّة ، فتكبّد هزيمة فادحة خلال هجوم الحجّاج بن يوسف على مكّة ، وقُتل هو أيضاً ، وبذلك انتهى حكمه في أوائل سنة ۷۳ هجرية . ۱

۳ . ثورة التوّابين

رغم أنّ هذه الثورة اندلعت بعد ثورة أهل المدينة وأهل مكّة ، إلا أنّ مقدّماتها بدأت تزامناً مع ثورة المدينة ومكّة . وقد قام بهذه الثورة أشخاص تسبّبت دعوتهم قدوم الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة وأدّى تقاعسهم عن نصرته إلى وقوع حادثة كربلاء الدمويّة ، وبذلك فقد ارتكبوا ذنباً كبيراً، وكانوا يريدون أن يغسلوا عار هذا الذنب بدمائهم، ولذلك سمّيت نهضتُهم نهضةَ التوّابين .
وبعبارة اُخرى، فإنّ قسماً كبيراً من أهل الكوفة والذين كان بإمكانهم أن يغيّروا مصير المجتمع من خلال نصرة الإمام الحسين عليه السلام ، إلّا أنهم استسلموا - لبعض الأسباب - لسياسة ابن زياد القائمة على الترغيب والترهيب والخداع ، ۲ انتبهوا إلى خطئهم التاريخيّ على إثر الأمواج الاجتماعيّة والسياسيّة لواقعة كربلاء ، وقرّروا أن يخفّفوا من عار هذا الذنب الذي لا يغتفر، عبر الثورة ضدّ حكومة يزيد والانتقام من قتلة سيّد الشهداء. وهذا هو نصّ رواية الطبري في هذا المجال :
لمّا قتل الحسين بن عليّ ، ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة ۳ فدخل الكوفة ، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندّم ، ورأت أنّها قد أخطأت خطأً كبيراً بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته ، ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه ، ورأوا أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلّا بقتل من قتله أو القتل فيه . ففزعوا بالكوفة

1.راجع: تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۱۸۸، الكامل في التاريخ: ج ۳ ص ۶۹، مروج الذهب: ج ۳ ص ۸۵ و ۸۹، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ۲۰ ص ۱۲۳ .

2.راجع : ج ۱ ص ۷۷ (القسم الأوّل / الفصل الثالث : تقييم سفر الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق وثورة الكوفة) .

3.معسكر الكوفة بالقرب منها وفي طريق الشام (راجع : الخريطة رقم ۴ في آخر الكتاب) .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
576

تضع يدك في أيدينا ، فنبعث بك إلى ابن زياد بن سميّة سلماً ، فيمضي فيك حكمه ، وإمّا أن تحارب ! فرأى - واللَّه - ، أنّه هو وأصحابه قليلٌ في كثير - وإن كان اللَّه عزّ وجلّ لم يطلع على الغيب أحداً - أنّه مقتول ، ولكنّه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذّميمة . فرحم اللَّه حسيناً عليه السلام ، وأخزى قاتل حسين عليه السلام .
لعمري ، لقد كان من خلافهم إيّاه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناه عنهم ، ولكنّه ما حمّ ۱ نازل ، وإذا أراد اللَّه أمراً لن يدفع ، أفبعد الحسين عليه السلام نطمئنّ إلى‏ هؤلاء القوم ، ونصدّق قولهم ، ونقبل لهم عهداً ؟ لا ، ولا نراهم لذلك أهلاً .
أما واللَّه ، لقد قتلوه طويلاً بالّليل قيامه ، كثيراً في النّهار صيامه ، أحقّ بما هم فيه منهم ، وأولى‏ به في الدّين والفضل .
أما واللَّه ، ما كان يبدّل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية اللَّه الحداء ، ۲ ولا بالصّيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حلق الذّكر الرّكض في تطلاب الصّيد ، - يعرّض بيزيد - فسوف يلقون غيّاً . ۳
وبعد هذه الخطبة طلب منه أصحابه أن يعلن بيعته وأن يمسك بزمام الحكم رسميّاً .
وقد بعث يزيد جيشاً إلى مكّة مرّتين ۴ لقمع ثورة أهلها ، ولكنّه لم يحقّق شيئاً في النهاية ، وفكّ الحصار عن مكّة بموته في الرابع عشر من ربيع الأوّل سنة ۶۴ للهجرة ، وعاد جيش الشام منهزماً. ۵
وبعد موت يزيد، بايع أهل الحجاز عبد اللَّه بن الزبير ، ثمّ بايعه أهل العراق . ۶

1.حُمَّ هذا الأمرُ : إذا قُضِيَ . وحُمَّ له ذلك : قُدِّرَ (لسان العرب : ج‏۱۲ ص‏۱۵۱ «حمم» ).

2.حدا بالإبل حدواً وحِداءً: إذا غنّى لها (مجمع البحرين: ج ۱ ص ۳۷۶ «حدا»).

3.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۴۷۴، الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۵۸۵، تذكرة الخواصّ: ص ۲۶۸ كلاهمانحوه وراجع: البداية والنهاية: ج ۸ ص ۲۱۲

4.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۴۹۸، أنساب الأشراف: ج ۵ ص ۳۵۷، العقد الفريد: ج ۳ ص ۳۷۵، تاريخ دمشق: ج ۲۸ ص ۲۳۰، الفتوح: ج ۵ ص ۱۵۳ - ۱۶۵.

5.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۴۹۸، أنساب الأشراف: ج ۵ ص ۳۶۲.

6.بايع أهل الشام مروان بن الحكم أيضاً (بحار الأنوار: ج ۴۵ ص ۳۵۴).

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9740
صفحه از 952
پرینت  ارسال به