ولكن سوء تدبير ابن الزبير وتعامله السيّئ مع الناس وخاصّة مع بني هاشم ، أدّيا إلى أن يفقد قاعدته الشعبيّة ، فتكبّد هزيمة فادحة خلال هجوم الحجّاج بن يوسف على مكّة ، وقُتل هو أيضاً ، وبذلك انتهى حكمه في أوائل سنة ۷۳ هجرية . ۱
۳ . ثورة التوّابين
رغم أنّ هذه الثورة اندلعت بعد ثورة أهل المدينة وأهل مكّة ، إلا أنّ مقدّماتها بدأت تزامناً مع ثورة المدينة ومكّة . وقد قام بهذه الثورة أشخاص تسبّبت دعوتهم قدوم الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة وأدّى تقاعسهم عن نصرته إلى وقوع حادثة كربلاء الدمويّة ، وبذلك فقد ارتكبوا ذنباً كبيراً، وكانوا يريدون أن يغسلوا عار هذا الذنب بدمائهم، ولذلك سمّيت نهضتُهم نهضةَ التوّابين .
وبعبارة اُخرى، فإنّ قسماً كبيراً من أهل الكوفة والذين كان بإمكانهم أن يغيّروا مصير المجتمع من خلال نصرة الإمام الحسين عليه السلام ، إلّا أنهم استسلموا - لبعض الأسباب - لسياسة ابن زياد القائمة على الترغيب والترهيب والخداع ، ۲ انتبهوا إلى خطئهم التاريخيّ على إثر الأمواج الاجتماعيّة والسياسيّة لواقعة كربلاء ، وقرّروا أن يخفّفوا من عار هذا الذنب الذي لا يغتفر، عبر الثورة ضدّ حكومة يزيد والانتقام من قتلة سيّد الشهداء. وهذا هو نصّ رواية الطبري في هذا المجال :
لمّا قتل الحسين بن عليّ ، ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة ۳ فدخل الكوفة ، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندّم ، ورأت أنّها قد أخطأت خطأً كبيراً بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته ، ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه ، ورأوا أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلّا بقتل من قتله أو القتل فيه . ففزعوا بالكوفة
1.راجع: تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۱۸۸، الكامل في التاريخ: ج ۳ ص ۶۹، مروج الذهب: ج ۳ ص ۸۵ و ۸۹، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ۲۰ ص ۱۲۳ .
2.راجع : ج ۱ ص ۷۷ (القسم الأوّل / الفصل الثالث : تقييم سفر الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق وثورة الكوفة) .
3.معسكر الكوفة بالقرب منها وفي طريق الشام (راجع : الخريطة رقم ۴ في آخر الكتاب) .