57
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

الرَّجُلَ ؟ فَقالَ : إي وَاللَّهِ! قِتالاً أيسَرُهُ أن تَطيرَ الرُّؤوسُ وتَطيحَ الأَيدي . قالَ : فَمَضَى الحُرُّ ووَقَفَ مَوقِفاً مِن أصحابِهِ ، وأخَذَهُ مِثلُ الأَفكَلِ ۱ .
فَقالَ لَهُ المُهاجِرُ بنُ أوسٍ : وَاللَّهِ إنَّ أمرَكَ لَمُريبٌ ! ولَو قيلَ مَن أشجَعُ أهلِ الكوفَةِ لَما عَدَوتُكَ ، فَما هذَا الَّذي أراهُ مِنكَ ؟ فَقالَ : إنّي وَاللَّهِ اُخَيِّرُ نَفسي بَينَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، فَوَاللَّهِ لا أختارُ عَلَى الجَنَّةِ شَيئاً ولَو قُطِّعتُ واُحرِقتُ . ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ قاصِداً إلَى الحُسَينِ عليه السلام ويَدُهُ عَلى‏ رَأسِهِ ، وهُوَ يَقولُ : اللَّهُمَّ إنّي تُبتُ إلَيكَ فَتُب عَلَيَّ ، فَقَد أرعَبتُ قُلوبَ أولِيائِكَ وأولادِ بِنتِ نَبِيِّكَ .
وقالَ لِلحُسَينِ عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ! أنَا صاحِبُكَ الَّذي حَبَسَكَ عَنِ‏الرُّجوعِ وجَعجَعَ بِكَ، وَاللَّهِ ما ظَنَنتُ أنَّ القَومَ يَبلُغونَ بِكَ ما أرى‏ ، وأنَا تائِبٌ إلَى اللَّهِ ، فَهَل تَرى‏ لي مِن تَوبَةٍ ؟
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : نَعَم ، يَتوبُ اللَّهُ عَلَيكَ ، فَانزِل ، فَقالَ : أنَا لَكَ فارِساً خَيرٌ مِنّي راجِلاً ، وإلَى النُّزولِ يَؤولُ آخِرُ أمري .
ثُمَّ قالَ : فإِذا كُنتُ أوَّلَ مَن خَرَجَ عَلَيكَ ، فَأذَن لي أن أكونَ أوَّلَ قَتيلٍ بَينَ يَدَيكَ ، ۲ لَعَلّي أكونُ مِمَّن يُصافِحُ جَدَّكَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله غَداً فِي القِيامَةِ .
فَأَذِنَ لَهُ فَجَعَلَ يُقاتِلُ أحسَنَ قِتالٍ ، حَتّى‏ قَتَلَ جَماعَةً مِن شُجعانٍ وأبطالٍ ، ثُمَّ استُشهِدَ ، فَحُمِلُ إلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَجَعَلَ يَمسَحُ التُّرابَ عَن وَجهِهِ ، ويَقولُ : أنتَ الحُرُّ كَما سَمَّتكَ اُمُّكُ ، حُرٌّ فِي الدُّنيا وحُرٌّ [فِي‏] ۳ الآخِرَةِ . ۴

۹۳۰.الإرشاد : نَشِبَ القِتالُ فَقُتِلَ مِنَ الجَميعِ جَماعَةٌ . وحَمَلَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ عَلى‏ أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ ، وهُوَ يَتَمَثَّلُ بِقَولِ عَنتَرَةَ :
ما زِلتُ أرميهِم بِغُرَّةِ ۵ وَجهِهِ‏ولَبانِهِ حَتّى‏ تَسَربَلَ بِالدَّمِ‏
فَبَرَزَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن بَلحارِثٍ يُقالُ لَهُ : يَزيدُ بنُ سُفيانَ ، فَما لَبِثَهُ الحُرُّ حَتّى‏ قَتَلَهُ... قاتَلَهُم أصحابُ الحُسَينِ قِتالاً شَديداً ، فَأَخَذَت خَيلُهُم تَحمِلُ وإنَّما هِيَ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً ، فَلا تَحمِلُ عَلى‏ جانِبٍ مِن خَيلِ الكوفَةِ إلّا كَشَفَتهُ ، فَلَمّا رَأى‏ ذلِكَ عُروَةُ بن قَيسٍ - وهُوَ عَلى‏ خَيلِ أهلِ الكوفَةِ - بَعَثَ إلى‏ عُمَرَ بنِ سَعدٍ : أما تَرى‏ ما تَلقى‏ خَيلي مُنذُ اليَومِ مِن هذِهِ العِدَّةِ اليَسيرَةِ ؟ ابعَث إلَيهِمُ الرِّجالَ وَالرُّماةَ فَبَعَثَ عَلَيهِم بِالرُّماةِ فَعُقِرَ بِالحُرِّ بنِ يَزيدَ فَرَسُهُ فَنَزَلَ عَنهُ وجَعَلَ يَقولُ :

إن تَعقِروا بي فَأَنَا ابنُ الحُرِّأشجَعُ مِن ذي لِبَدٍ هِزَبرِ
ويَضرِبُهُم بِسَيفِهِ ، وتَكاثَروا عَلَيهِ ، فَاشتَرَكَ في قَتلِهِ أيّوبُ بنُ مُسَرَّحٍ ورَجُلٌ آخَرُ مِن فُرسانِ أهلِ الكوفَةِ . ۶

1.الأفكَلُ : الرِّعدة (الصحاح : ج ۵ ص ۱۷۹۲ «فكل») .

2.وفي الملهوف : «قال جامع الكتاب : إنّما أراد أوّل قتيل من الآن ؛ لأنّ جماعة قُتلوا قبله كما ورد» .

3.ما بين المعقوفين سقط من المصدر ولا يصحّ السياق بدونه .

4.الملهوف : ص ۱۵۹ .

5.غُرّة كلّ شي‏ء : أوّله وأكرمه (الصحاح : ج ۲ ص ۷۶۸ «غرر») .

6.الإرشاد : ج‏۲ ص‏۱۰۲ - ۱۰۴ ، إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۶۲ - ۴۶۳ نحوه وراجع : مثير الأحزان : ص ۵۹ - ۶۰ والكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۶۵ - ۵۶۶ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
56

هذَا الحُرُّ الَّذي كُنتَ تَتَمَنّاهُ ، فَهَل لَكَ بِهِ ؟ قالَ : نَعَم ، وخَرَجَ إلَيهِ ، فَما لَبِثَ الحُرُّ أن قَتَلَهُ وقَتَلَ أربَعينَ فارِساً وراجِلاً ، ولَم يَزَل يُقاتِلُ حَتّى‏ عُرقِبَ ۱ فَرَسُهُ ، وبَقِيَ راجِلاً ، فَجَعَلَ يُقاتِلُ وهُوَ يَقولُ :

إن تَعقِروا ۲ بي فَأَنَا ابنُ الحُرِّأشجَعُ مِن ذي لِبدَةٍ هِزَبرِ ۳
ولَستُ بِالخَوّارِ عِندَ الكَرِّلكِنَّنِي الثّابِتُ عِندَ الفَرِّ
ثُمَّ لَم يَزَل يُقاتِلُ حَتّى‏ قُتِلَ ، فَاحتَمَلَهُ أصحابُ الحُسَينِ عليه السلام حَتّى‏ وَضَعوهُ بَينَ يَدَيِ الحُسَينِ عليه السلام وبِهِ رَمَقٌ ، فَجَعَلَ الحُسَينُ عليه السلام يَمسَحُ التُّرابَ عَن وَجهِهِ ، وهُوَ يَقولُ لَهُ : أنتَ الحُرُّ كَما سَمَّتكَ بِهِ اُمُّكَ ، أنتَ الحُرُّ فِي الدُّنيا وأنتَ الحُرُّ فِي الآخِرَةِ . ثُمَّ رَثاهُ بعضُ أصحابِ الحُسَينِ عليه السلام - وقالَ الحاكِمُ الجُشَمِيُّ : بَل رَثاهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام - بِقَولِهِ :

لَنِعمَ الحُرُّ حُرُّ بَني رِياحِ‏صَبورٌ عِندَ مُشتَبَكِ الرِّماحِ‏
ونِعمُ الحُرُّ إذ نادى‏ حُسَينٌ‏فَجادَ بِنَفسِهِ عِندَ الصِّياحِ‏
ورُوِيَ أنَّهُ كانَ يُنشِدُ عِندَ مُكافَحَتِهِ :

آلَيتُ لا اُقتَلُ حَتّى‏ أقتُلاولا اُصابُ اليَومَ إلّا مُقبِلا
أضرِبُهُم بِالسَّيفِ ضَرباً مُعضِلالا ناكِلاً ۴ فيهِم ولا مُهَلِّلا ۵

۹۲۹.الملهوف : صاحَ الحُسَينُ عليه السلام : أما مِن مُغيثٍ يُغيثُنا لِوَجهِ اللَّهِ ! أما مِن ذابٍّ يَذُبُّ عَن حَرَمِ رَسولِ اللَّهِ ؟
فَإِذَا الحُرُّ بنُ يَزيدَ الرِّياحِيُّ قَد أقبَلَ إلى‏ عُمَرَ بنِ سَعدٍ فَقالَ لَهُ : أمُقاتِلٌ أنتَ هذَا

1.عرقبتُ الدابّةَ : قطعت عرقوبها . والعرقوب : عقب موتَّر خلف الكعبين (العين : ص ۵۳۴ «عرقب») .

2.عَقَر البعير بالسيف : ضرب قوائمه به (المصباح المنير : ص ۴۲۱ «عقر») .

3.الهزبر : الأسد (الصحاح : ج ۲ ص ۸۵۴ «هزبر») .

4.الناكِلُ : الجبان الضعيف (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۳۵ «نكل») .

5.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۲ ص ۹ ، الفتوح : ج‏۵ ص‏۱۰۱ ؛ بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱۳ وراجع : مطالب السؤول : ص‏۷۶ و كشف الغمّة : ج‏۲ ص‏۲۶۲ .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14271
صفحه از 952
پرینت  ارسال به