الرَّجُلَ ؟ فَقالَ : إي وَاللَّهِ! قِتالاً أيسَرُهُ أن تَطيرَ الرُّؤوسُ وتَطيحَ الأَيدي . قالَ : فَمَضَى الحُرُّ ووَقَفَ مَوقِفاً مِن أصحابِهِ ، وأخَذَهُ مِثلُ الأَفكَلِ ۱ .
فَقالَ لَهُ المُهاجِرُ بنُ أوسٍ : وَاللَّهِ إنَّ أمرَكَ لَمُريبٌ ! ولَو قيلَ مَن أشجَعُ أهلِ الكوفَةِ لَما عَدَوتُكَ ، فَما هذَا الَّذي أراهُ مِنكَ ؟ فَقالَ : إنّي وَاللَّهِ اُخَيِّرُ نَفسي بَينَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، فَوَاللَّهِ لا أختارُ عَلَى الجَنَّةِ شَيئاً ولَو قُطِّعتُ واُحرِقتُ . ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ قاصِداً إلَى الحُسَينِ عليه السلام ويَدُهُ عَلى رَأسِهِ ، وهُوَ يَقولُ : اللَّهُمَّ إنّي تُبتُ إلَيكَ فَتُب عَلَيَّ ، فَقَد أرعَبتُ قُلوبَ أولِيائِكَ وأولادِ بِنتِ نَبِيِّكَ .
وقالَ لِلحُسَينِ عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ! أنَا صاحِبُكَ الَّذي حَبَسَكَ عَنِالرُّجوعِ وجَعجَعَ بِكَ، وَاللَّهِ ما ظَنَنتُ أنَّ القَومَ يَبلُغونَ بِكَ ما أرى ، وأنَا تائِبٌ إلَى اللَّهِ ، فَهَل تَرى لي مِن تَوبَةٍ ؟
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : نَعَم ، يَتوبُ اللَّهُ عَلَيكَ ، فَانزِل ، فَقالَ : أنَا لَكَ فارِساً خَيرٌ مِنّي راجِلاً ، وإلَى النُّزولِ يَؤولُ آخِرُ أمري .
ثُمَّ قالَ : فإِذا كُنتُ أوَّلَ مَن خَرَجَ عَلَيكَ ، فَأذَن لي أن أكونَ أوَّلَ قَتيلٍ بَينَ يَدَيكَ ، ۲ لَعَلّي أكونُ مِمَّن يُصافِحُ جَدَّكَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله غَداً فِي القِيامَةِ .
فَأَذِنَ لَهُ فَجَعَلَ يُقاتِلُ أحسَنَ قِتالٍ ، حَتّى قَتَلَ جَماعَةً مِن شُجعانٍ وأبطالٍ ، ثُمَّ استُشهِدَ ، فَحُمِلُ إلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَجَعَلَ يَمسَحُ التُّرابَ عَن وَجهِهِ ، ويَقولُ : أنتَ الحُرُّ كَما سَمَّتكَ اُمُّكُ ، حُرٌّ فِي الدُّنيا وحُرٌّ [فِي] ۳ الآخِرَةِ . ۴
۹۳۰.الإرشاد : نَشِبَ القِتالُ فَقُتِلَ مِنَ الجَميعِ جَماعَةٌ . وحَمَلَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ عَلى أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ ، وهُوَ يَتَمَثَّلُ بِقَولِ عَنتَرَةَ :
ما زِلتُ أرميهِم بِغُرَّةِ ۵ وَجهِهِولَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَّمِ
فَبَرَزَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن بَلحارِثٍ يُقالُ لَهُ : يَزيدُ بنُ سُفيانَ ، فَما لَبِثَهُ الحُرُّ حَتّى قَتَلَهُ... قاتَلَهُم أصحابُ الحُسَينِ قِتالاً شَديداً ، فَأَخَذَت خَيلُهُم تَحمِلُ وإنَّما هِيَ اثنانِ وثَلاثونَ فارِساً ، فَلا تَحمِلُ عَلى جانِبٍ مِن خَيلِ الكوفَةِ إلّا كَشَفَتهُ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ عُروَةُ بن قَيسٍ - وهُوَ عَلى خَيلِ أهلِ الكوفَةِ - بَعَثَ إلى عُمَرَ بنِ سَعدٍ : أما تَرى ما تَلقى خَيلي مُنذُ اليَومِ مِن هذِهِ العِدَّةِ اليَسيرَةِ ؟ ابعَث إلَيهِمُ الرِّجالَ وَالرُّماةَ فَبَعَثَ عَلَيهِم بِالرُّماةِ فَعُقِرَ بِالحُرِّ بنِ يَزيدَ فَرَسُهُ فَنَزَلَ عَنهُ وجَعَلَ يَقولُ :
إن تَعقِروا بي فَأَنَا ابنُ الحُرِّأشجَعُ مِن ذي لِبَدٍ هِزَبرِ
ويَضرِبُهُم بِسَيفِهِ ، وتَكاثَروا عَلَيهِ ، فَاشتَرَكَ في قَتلِهِ أيّوبُ بنُ مُسَرَّحٍ ورَجُلٌ آخَرُ مِن فُرسانِ أهلِ الكوفَةِ . ۶
1.الأفكَلُ : الرِّعدة (الصحاح : ج ۵ ص ۱۷۹۲ «فكل») .
2.وفي الملهوف : «قال جامع الكتاب : إنّما أراد أوّل قتيل من الآن ؛ لأنّ جماعة قُتلوا قبله كما ورد» .
3.ما بين المعقوفين سقط من المصدر ولا يصحّ السياق بدونه .
4.الملهوف : ص ۱۵۹ .
5.غُرّة كلّ شيء : أوّله وأكرمه (الصحاح : ج ۲ ص ۷۶۸ «غرر») .
6.الإرشاد : ج۲ ص۱۰۲ - ۱۰۴ ، إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۶۲ - ۴۶۳ نحوه وراجع : مثير الأحزان : ص ۵۹ - ۶۰ والكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۶۵ - ۵۶۶ .