الوثوق من كلام ذلك الراوي المجهول الذي نقل عنه في اللهوف بالمرّة ، والذي هو من أهل السير والتواريخ ، وإذا ما ضممنا إليه تلك الشواهد في المقدّمة ، فإنّ اُصول هذا الاحتمال تنهدم من الأساس . وعلى هذا فإنّ ما يذكره قرّاء المآتم بنحو قطعي بشأن حدوث هذه الواقعة لمجرّد الكلام المذكور، ينمّ عن نهاية الجهل والتجرّؤ، وليتهم قنعوا بالأسطر القليلة الواردة في اللهوف ، أو مقتل أبي مخنف، ولم يزرعوها في قلوبهم كما تزرع الشجرة في أرض سبخة قاحلة، ولَما تشعّبت منها كلّ تلك الأغصان والأوراق، ولما قطفوا منها ثمار الأكاذيب المختلفة ، ولما نقلوا على لسان حجّة اللَّه البالغة الإمام السجّاد عليه السلام كلّ ذلك الكذب بشأن اللقاء المزعوم مع جابر... . ۱
وكتب المحدّث القمّي أيضاً تبعاً لاُستاذه المحدّث النوري قائلاً :
اعلموا إنّ ثقاة المحدّثين والمؤرّخين متّفقون، بل إنّ السيّد الجليل عليّ بن طاووس نفسه روى أيضاً أنّ عمر بن سعد اللعين بعث بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام رؤوس الشهداء أوّلاً إلى الملعون ابن زياد ، ثمّ حمل بعد ذلك اليوم أهل البيت إلى الكوفة ، فحبسهم ابن زياد الخبيث بعد معرفته بأهل البيت عليهم السلام والشماتة بهم ، وبعث كتاباً إلى يزيد بن معاوية بشأن ما عليه أن يفعله بأهل البيت والرؤوس ، فأجابه يزيد بأنّ عليه أن يبعثهم إلى الشام.
ولا جرم أنّ ابن زياد الملعون أعدّ سفرهم وأرسلهم إلى الشام ، والذي يظهر من القضايا العديدة والحكايات المتفرّقة المنقولة بشأن تسييرهم إلى الشام والمرويّة في الكتب المعتبرة أنّه تمّ تسييرهم من الطريق السلطاني والقرى والمدن العامرة ، حيث يبلغ هذا الطريق حوالي أربعين منزلاً ، وإذا غضضنا النظر عن ذكر منازلهم وقلنا إنّ سيرهم كان من الصحراء في غرب الفرات ، فإنّه يستغرق عشرين يوماً أيضاً ، فقد ذكر أنّ المسافة بين الكوفة والشام إذا كانت بخطٍّ مستقيم هي مئة وخمسة وسبعين فرسخاً ، وأقاموا في الشام ما يقرب من شهر ، كما ذكر السيّد في