447
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

رَأسَهُ ووَضَعَهُ فِي المِخلاةِ، ورَمى‏ بِبَدَنَيهِما فِي الماءِ، وهُما يَقطُرانِ دَماً .
ومَرَّ حَتّى‏ أتى‏ بِهِما عُبَيدَ اللَّهِ بنَ زِيادٍ وهُوَ قاعِدٌ عَلى‏ كُرسِيٍّ لَهُ، وبِيَدِهِ قَضيبُ خَيزُرانٍ، فَوَضَعَ الرَّأسَينِ بَينَ يَدَيهِ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِما قامَ ثُمَّ قَعَدَ ثُمَّ قامَ ثُمَّ قَعَدَ ثَلاثاً ، ثُمَّ قالَ : الوَيلُ لَكَ ، أينَ ظَفِرتَ بِهِما ؟ قالَ : أضافَتهُما عَجوزٌ لَنا. قالَ: فَما عَرَفتَ لَهُما حَقَّ الضِّيافَةِ ؟ قالَ : لا . قالَ: فَأَيَّ شَئٍ قالا لَكَ ؟ قالَ: قالا: يا شَيخُ! اذهَب بِنا إلَى السّوقِ فَبِعنا وَانتَفِع بِأَثمانِنا فَلا تُرِد أن يَكونَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله خَصمَكَ فِي القِيامَةِ. قالَ: فَأَيَّ شَي‏ءٍ قُلتَ لَهُما ؟ قالَ : قُلتُ: لا، ولكِن أقتُلُكُما وأنطَلِقُ بِرَأسَيكُما إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ، وآخُذُ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
قالَ : فَأَيَّ شَي‏ءٍ قالا لَكَ ؟ قالَ: قالا: اِيتِ بِنا إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ حَتّى‏ يَحكُمَ فينا بِأَمرِهِ . قالَ : فَأَيَّ شي‏ءٍ قُلتَ ؟ قالَ : قُلتُ : لَيسَ إلى‏ ذلِكَ سَبيلٌ إلَّا التَّقَرُّبُ إلَيهِ بِدَمِكُما. قالَ: أفَلا جِئتَني بِهِما حَيَّينِ، فَكُنتُ اُضعِفُ لَكَ الجائِزَةَ، وأجعَلُها أربَعَةَ آلافِ دِرهَمٍ ؟ قالَ: ما رَأَيتُ إلى‏ ذلِكَ سَبيلاً إلَّا التَّقَرُّبَ إلَيكَ بِدَمِهِما .
قالَ : فَأَيَّ شَي‏ءٍ قالا لَكَ أيضاً ؟ قالَ : قالَ لي : يا شَيخُ ! احفَظ قَرابَتَنا مِن رَسولِ اللَّهِ . قالَ : فَأَيَّ شي‏ءٍ قُلتَ لَهُما ؟ قالَ : قُلتُ: ما لَكُما مِن رَسولِ اللَّهِ قَرابَةٌ .
قالَ : وَيلَكَ ! فَأَيَّ شَي‏ءٍ قالا لَكَ أيضاً ؟ قالَ: قالا: يا شَيخُ! ارحَم صِغَرَ سِنِّنا . قالَ: فَما رَحِمتَهُما ؟! قالَ: قُلتُ: ما جَعَلَ اللَّهُ لَكُما مِنَ الرَّحمَةِ في قَلبي شَيئاً .
قالَ : وَيلَكَ! فَأَيَّ شَي‏ءٍ قالا لَكَ أيضاً ؟ قالَ: قالا: دَعنا نُصَلّي رَكَعاتٍ ، فَقُلتُ: فَصَلِّيا ما شِئتُما إن نَفَعَتكُمَا الصَّلاةُ ، فَصَلَّى الغُلامانِ أربَعَ رَكَعاتٍ .
قالَ : فَأَيَّ شي‏ءٍ قالا في آخِرِ صَلاتِهِما ؟ قالَ : رَفَعا طَرفَيهِما إلَى السَّماءِ وقالا: يا حَيُّ يا حَليمُ! يا أحكَمَ الحاكِمينَ! اُحكُم بَينَنا وبَينَهُ بِالحَقِّ .
قالَ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ زِيادٍ : فَإِنَّ أحكَمَ الحاكِمينَ قَد حَكَمَ بَينَكُم، مَن لِلفاسِقِ ؟ قالَ: فَانتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ، فَقالَ: أنَا لَهُ. قالَ: فَانطَلِق بِهِ إلَى المَوضِعِ الَّذي قَتَلَ فيهِ


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
446

فَانكَبَّ الغُلامُ عَلى‏ أقدامِهِما يُقَبِّلُهُما ، وهُوَ يَقولُ لَهُما مَقالَةَ الأَسوَدِ ، ورَمى‏ بِالسَّيفِ ناحِيَةً وطَرَحَ نَفسَهُ فِي الفُراتِ وعَبَرَ، فَصاحَ بِهِ أبوهُ : يا بُنَيَّ عَصَيتَني! قالَ : لَأَن اُطيعَ اللَّهَ وأعصِيَكَ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أعصِيَ اللَّهَ واُطيعَكَ .
قالَ الشَّيخُ : لا يَلي قَتلَكُما أحَدٌ غَيري ، وأخَذَ السَّيفَ ومَشى‏ أمامَهُما، فَلَمّا صارَ إلى‏ شاطِى‏ءِ الفُراتِ سَلَّ السَّيفَ مِن جَفنِهِ، فَلَمّا نَظَرَ الغُلامانِ إلَى السَّيفِ مَسلولاً اغرَورَقَت أعيُنُهُما، وقالا لَهُ: يا شَيخُ، اِنطَلِق بِنا إلَى السّوقِ وَاستَمتِع بِأَثمانِنا، ولا تُرِد أن يَكوَن مُحَمَّدٌ خَصمَكَ فِي القِيامَةِ غَداً .
فَقالَ: لا ، ولكِن أقتُلُكُما وأذهَبُ بِرَأسَيكُما إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ، وآخُذُ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
فَقالا لَهُ : يا شَيخُ! أما تَحفَظُ قَرابَتَنا مِن رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟
فَقالَ : ما لَكُما مِن رَسولِ اللَّهِ قَرابَةٌ .
قالا لَهُ : يا شَيخُ! فَائتِ بِنا إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ حَتّى‏ يَحكُمَ فينا بِأَمرِهِ .
قالَ : ما إلى‏ ذلِكَ سَبيلٌ إلَّا التَّقَرُّبُ إلَيهِ بِدَمِكُما .
قالا لَهُ : يا شَيخُ! أما تَرحَمُ صِغَرَ سِنِّنا ؟
قالَ : ما جَعَلَ اللَّهُ لَكُما في قَلبي مِنَ الرَّحمَةِ شَيئاً .
قالا : يا شَيخُ! إن كان ولا بُدَّ ، فَدَعنا نُصَلّي رَكَعاتٍ .
قالَ : فَصَلِّيا ما شِئتُما إن نَفَعَتكُمَا الصَّلاةُ .
فَصَلَّى الغُلامانِ أربَعَ رَكَعاتٍ، ثُمَّ رَفَعا طَرفَيهِما إلَى السَّماءِ فَنادَيا: يا حَيُّ يا حَليمُ ! يا أحكَمَ الحاكِمينَ! اُحكُم بَينَنا وبَينَهُ بِالحَقِّ .
فَقامَ إلَى الأَكبَرِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وأخَذَ بِرَأسِهِ ووَضَعَهُ فِي المِخلاةِ ، وأقبَلَ الغُلامُ الصَّغيرُ يَتَمَرَّغُ في دَمِ أخيهِ، وهُوَ يَقولُ: حَتّى‏ ألقى‏ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وأنَا مخُتَضِبٌ بِدَمِ أخي .
فَقالَ : لا عَلَيكَ سَوفَ اُلحِقُكَ بِأَخيكَ . ثُمَّ قامَ إلَى الغُلامِ الصَّغيرِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وأخَذَ

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 13906
صفحه از 952
پرینت  ارسال به