قالَ : فَأَقبَلَت قَبائِلُ مُضَرَ نَحوَ اليَمَنِ ودَنَت مِنهُمُ اليَمَنُ ، فَاقتَتَلوا قِتالاً شَديداً ، فَبَلَغَ ذلِكَ ابنَ زِيادٍ ، فَأَرسَلَ إلى أصحابِهِ يُؤَنِّبُهُم ، فَأَرسَلَ إلَيهِ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ يُخبِرُهُ بِاجتِماعِ اليَمَنِ عَلَيهِم . قالَ : وبَعَثَ إلَيهِ شَبَثُ بنُ الرِّبعِيِّ : أيُّهَا الأَميرُ ، إنَّكَ قَد بَعَثتَنا إلى اُسودِ الآجامِ فَلا تَعجَل ، قالَ : وَاشتَدَّ قِتالُ القَومِ حَتّى قُتِلَ جَماعَةٌ مِنهُم مِنَ العَرَبِ .
قالَ : ودَخَلَ أصحابُ ابنِ زِيادٍ إلى دارِ ابنِ عَفيفٍ ، فَكَسَرُوا البابَ وَاقتَحَموا عَلَيهِ ، فَصاحَت بِهِ ابنَتُهُ : يا أبَتِ! أتاكَ القَومُ مِن حَيثُ لا تَحتَسِبُ ، فَقالَ : لا عَلَيكِ يَا ابنَتي ، ناوِلينِي السَّيفَ : قالَ : فَناوَلَتهُ فَأَخَذَهُ وجَعَلَ يَذُبُّ عَن نَفسِهِ ، وهُوَ يَقولُ :
أنَا ابنُ ذِي الفَضلِ العَفيفِ الطّاهِرِعَفيفٌ شَيخي وَابنُ اُمِّ عامِرِ
كَم دارِعٍ مِن جَمعِهِم وحاسِرِوبَطَلٍ جَندَلتُهُ مُغادِرِ
قالَ : وجَعَلَتِ ابنَتُهُ تَقولُ : يا لَيتَني كُنتُ رَجُلاً فَاُقاتِلَ بَينَ يَدَيكَ اليَومَ هؤُلاءِ الفَجَرَةَ ، قاتِلِي العِترَةِ البَرَرَةِ . قالَ وجَعَلَ القَومُ يَدورونَ عَلَيهِ مِن خَلفِهِ وعَن يَمينِهِ وعَن شِمالِهِ ، وهُوَ يَذُبُّ عَن نَفسِهِ بِسَيفِهِ ، ولَيسَ يَقدِرُ أحَدٌ أن يَتَقَدَّمَ إلَيهِ .
قالَ : وتَكاثَروا عَلَيهِ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ حَتّى أخَذوهُ . فَقالَ جُندَبُ بنُ عَبدِ اللَّهِ الأَزدِيُّ : إنّا للَّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، أخَذوا وَاللَّهِ عَبدَ اللَّهِ بنَ عَفيفٍ ، فَقَبُحَ وَاللَّهِ العَيشُ مِن بَعدِهِ .
قالَ : ثُمَّ اُتِيَ بِهِ حَتّى اُدخِلَ عَلى عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، فَلَمّا رَآهُ قالَ : الحَمدُ للَّهِِ الَّذي أخزاكَ ، فَقالَ لَهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَفيفٍ : يا عَدُوَّ اللَّهِ بِهذا أخزاني ، وَاللَّهِ لَو فَرَّجَ اللَّهُ عَن بَصَري لَضاقَ عَلَيكَ مَورِدي ومَصدَري .
قالَ : فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يا عَدُوَّ نَفسِهِ ، ما تَقولُ في عُثمانَ بنِ عَفّانَ ؟ فَقالَ : يَابنَ عَبدِ بَني عِلاجٍ ، يَابنَ مَرجانَةَ وسُمَيِّةَ ، ما أنتَ وعُثمانُ بنُ عَفّانَ ؟ عُثمانُ أساءَ أم أحسَنَ ، وأصلَحَ أم أفسَدَ ، وَاللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى وَلِيُّ خَلقِهِ ، يَقضي بَينَ خَلقِهِ وبَينَ عُثمانَ بنِ عَفّانَ بِالعَدلِ وَالحَقِّ ، ولكِن سَلني عَن أبيكَ ، وعَن يَزيدَ وأبيهِ .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : وَاللَّهِ لا سَأَلتُكَ عَن شَيءٍ أو تَذوقَ المَوتَ .