أبدَأُ بِحَمدِ اللَّهِ وَالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نَبِيِّهِ ، أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَترِ ۱ وَالخَذلِ ، ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ، ولا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ ، إنَّما مثَلُكُم كَمَثَلِ (الَّتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَنَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ) . ۲
ألا وهَل فيكُم إلَّا الصَّلَفُ وَالشَّنَفُ ، ومَلَقُ الإِماءِ ، وغَمَزُ الأَعداءِ ؟ وهَل أنتُم إلّا كَمَرعى عَلى دِمنَةٍ ، وكَفِضَّةٍ عَلى مَلحودَةٍ ، ألا ساءَ ما قَدَّمَت أنفُسُكُم أن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيكُم ، وفِي العَذابِ أنتُم خالِدونَ .
أتَبكونَ ؟ إي وَاللَّهِ فَابكوا ! وإنَّكُم وَاللَّهِ أحرِياءُ بِالبُكاءِ ، فَابكوا كَثيراً وَاضحَكوا قَليلاً ، فَلَقَد فُزتُم بِعارِها وشَنارِها، ولَن تَرحُضوها بِغَسلٍ بَعدَها أبَدا، وأنّى تَرحُضونَ قَتلَ سَليلِ خاتَمِ النُّبُوَّةِ ومَعدِنِ الرِّسالَةِ ، وسَيِّدِ شُبّانِ أهلِ الجَنَّةِ ، ومَنارِ مَحَجَّتِكُم ، ومَدَرَةِ حُجَّتِكُم ، ومَفرَخِ نازِلَتِكُم ، فَتَعساً ونُكساً ، لَقَد خابَ السَّعيُ وخَسِرَتِ الصَّفقَةُ ، وبُؤتُم بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ، وضُرِبَت عَلَيكُمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ (لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيًْا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَ تُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ) . ۳
أتَدرونَ أيَّ كَبِدٍ لِرَسولِ اللَّهِ فَرَيتُم ؟ وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ لَقَد جِئتُم بِها شَوهاءَ خَرقاءَ ، شَرُّها طِلاعُ الأَرضِ وَالسَّماءِ ، أفَعَجِبتُم أن قَطَرَتِ السَّماءُ دَماً ؟ ولَعَذابُ الآخِرَةِ أخزى وهُم لا يُنظَرونَ ، فَلا يَستَخِفَّنَّكُمُ المَهَلُ فَإِنَّهُ لا تَحفِزُهُ المُبادَرَةُ ، ولا يُخافُ عَلَيهِ فَوتُ الثَّأرِ ، كَلّا إنَّ رَبَّكَ لَنا ولَهُم لَبِالمِرصادِ . ثُمَّ وَلَّت عَنهُم .
قالَ : فَرَأَيتُ النّاسَ حَيارى وقَد رَدّوا أيدِيَهُم إلى أفواهِهِم ، ورَأَيتُ شَيخاً كَبيراً مِن بَني جُعفِيٍّ ، وقَدِ اخضَلَّت لِحَيتُهُ مِن دُموعِ عَينَيهِ ، وهُوَ يَقولُ :
كُهولُهُم خَيرُ الكُهولِ ونَسلُهُمإذا عُدَّ نَسلٌ لا يَبورُ ولا يَخزى ۴
1.الخَتْرُ : الغَدْرُ (الصحاح : ج ۲ ص ۶۴۲ «ختر») .
2.اقتباس من الآية ۹۲ من سورة النحل .
3.مريم : ۸۹ - ۹۰ .
4.بلاغات النساء : ص ۳۷ عن يحيى بن الحجّاج .