413
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

تَرحَضونَ قَتلَ سَليلِ خاتَمِ النُّبُوَّةِ ، ومَعدِنِ الرِّسالَةِ ، وسَيِّدِ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، ومَلاذِ حَريمِكُم ، ومَعاذِ حِزبِكُم ، ومَقَرِّ سِلمِكُم ، وآسي ۱ كَلِمكُم ۲ ، ومَفزَعِ نازِلَتِكُم ، وَالمَرجِعِ إلَيهِ عِندَ مُقاتَلَتِكُم ، ومَدَرَةِ ۳ حُجَجِكُم ، ومَنارِ مَحَجَّتِكُم .
ألا ساءَ ما قَدَّمَت لَكُم أنفُسُكُم ، وساءَ ما تَزِرونَ لِيَومِ بَعثِكُم . فَتَعساً تَعساً ! ونُكساً نُكساً ! لَقَد خابَ السَّعيُ ، وتَبَّتِ الأَيدي ، وخَسِرَتِ الصَّفقَةُ ، وبُؤتُم بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ، وضُرِبَت عَلَيكُم الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ .
أتَدرونَ وَيلَكُم أيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله فَرَثتُم ۴ ؟ ! وأيَّ عَهدٍ نَكَثتُم ؟ ! وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ ! وأيَّ حُرمَةٍ لَهُ هَتَكتُم ؟ ! وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ ! (لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيًْا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَ تُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) . ۵ !
لَقَد جِئتُم بِها شَوهاءَ صَلعاءَ ۶ ، عَنقاءَ ۷ ، سَوداءَ ، فَقماءَ ۸ ، خَرقاءَ ، طِلاعَ الأَرضِ وَالسَّماءِ . أفَعَجِبتُم أن تَمطُرَ السَّماءُ دَماً ، (وَ لَعَذَابُ الْأَخِرَةِ أَخْزَى‏ وَ هُمْ لَا يُنصَرُونَ)۹ فَلا يَستَخِفَّنَّكُمُ المَهَلُ ، فَإِنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لا يُخفِرُهُ البِدارُ ولا يُخشى‏ عَلَيهِ فَوتُ الثّارِ ، كَلّا إنَّ رَبَّكَ لَنا ولَهُم لَبِالمِرصادِ .
ثُمَّ أنشَأَت تَقولُ عليها السلام :
ماذا تَقولونَ إذ قالَ النَّبِيُّ لَكُم‏ماذا صَنَعتُم وأنتُم آخِرُ الاُمَمِ‏
بِأَهلِ بَيتي وأولادي وتَكرِمَتي‏مِنهُم اُسارى‏ ومِنهُم ضُرِّجوا بِدَمِ‏
ماكانَ ذاكَ جَزائي إذ نَصَحتُ لَكُم‏أن تَخلُفوني بِسوءٍ في ذَوي رَحِمي‏
إنِّي لَأَخشى‏ عَلَيكُم أن يَحِلَّ بِكُم‏مِثلُ العَذابِ الَّذي أودى‏ عَلى‏ إرَمِ‏
ثُمَّ وَلَّت عَنهُم .
قالَ حِذيَمٌ : فَرَأَيتُ النّاسَ حَيارى‏ قَد رَدّوا أيدِيَهُم في أفواهِهِم ، فَالتَفَتُّ إلى‏ شَيخٍ إلى‏ جانِبي يَبكي وقَدِ اخضَلَّتِ لِحيَتُهُ بِالبُكاءِ ، ويَدُهُ مَرفوعَةٌ إلَى السَّماءِ ، وهُوَ يَقولُ : بِأَبي واُمّي كُهولُكُم خَيرُ الكُهولِ ، ونِساؤُكُم خَيرُ النِّساءِ ، وشَبابُكُم خَيرُ الشَّبابِ ، ونَسلُكُم نَسلٌ كَريمٌ ، وفَضلُكُم فَضلٌ عَظيمٌ ، ثُمَّ أنشَدَ :

كُهولُكُم خَيرُ الكُهولِ ونَسلُكُم‏إذا عُدَّ نَسلٌ لايَبورُ ولا يَخزى‏
فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : يا عَمَّةُ ! اُسكُتي فَفِي الباقي عَنِ الماضِي اعتِبارٌ ، وأنتِ بِحَمدِ اللَّهِ عالِمَةٌ غَيرُ مُعَلَّمَةٍ ، فَهِمَةٌ غَيرُ مُفَهَّمَةٍ ، إنَّ البُكاءَ وَالحَنينَ لا يَرُدّانِ مَن قَد أبادَهُ الدَّهرُ . فَسَكَتَت ، ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام وضَرَبَ فُسطاطَهُ ، وأنزَلَ نِساءَهُ ودَخَلَ الفُسطاطَ . ۱۰

1.الآسي : الطبيب (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۶۹) .

2.الكلم : الجراحة (الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۲۳ «كلم») .

3.المدرة: زعيم القوم والمتكلّم عنهم (الصحاح: ج ۶ ص ۲۲۳۱ «دره»).

4.الفرث : تفتيت الكبد بالغمّ والأذى (لسان العرب : ج ۲ ص ۱۷۶ «فرث») .

5.مريم : ۸۹ - ۹۰ .

6.الصلعاء عند العرب: كلّ خطّة مشهورة (تاج العروس : ج ۱۱ ص ۲۷۸ «صلع») .

7.العنقاء : الداهية (العين : ص ۵۸۴ «عنق») .

8.الفقماء : المائلة الحنك ، وقيل : تقدّم الثنايا حتّى لا تقع عليها العليا (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۴۵۷ «فقم») .

9.فصّلت : ۱۶ .

10.الاحتجاج : ج ۲ ص ۱۰۹ ح ۱۷۰ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۱۱۵ نحوه وليس فيه ذيله من «ثمّ ولّت عنهم» ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱۶۴ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
412

۱۵۰۹.الاحتجاج عن حذيم بن شريك الأسدي : لَمّا أتى‏ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَ عليه السلام بِالنِّسوَةِ مِن كَربَلاءَ ، وكانَ مَريضاً ، وإذا نِساءُ أهلِ الكوفَةِ يَنتَدِبنَ مُشَقِّقاتِ الجُيوبِ ، وَالرِّجالُ مَعَهُنَّ يَبكونَ .
فَقالَ زَينُ العابِدينَ عليه السلام - بِصَوتٍ ضَئيلٍ وقَد نَهَكَتهُ العِلَّةُ - : إنَّ هؤُلاءِ يَبكونَ عَلَينا! فَمَن قَتَلَنا غَيرَهم ؟ فَأَومَأَت زَينَبُ بِنتُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام إلَى النّاسِ بِالسُّكوتِ .
قالَ حِذيَمٌ الأَسَدِيُّ : لَم أرَ وَاللَّهِ خَفِرَةً قَطُّ أنطَقَ مِنها ، كَأَنَّها تَنطِقُ وتُفرِغُ عَلى‏ لِسانِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وقَد أشارَت إلَى النّاسِ بِأَن أنصِتوا ، فَارتَدَّتِ الأَنفاسُ وسَكَنَتِ الأَجراسُ ۱ ، ثُمَّ قالَت - بَعدَ حَمدِ اللَّهِ تَعالى‏ وَالصَّلاةِ عَلى‏ رَسولِهِ صلى اللَّه عليه وآله - :
أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَتلِ وَالغَدرِ وَالخَذلِ وَالمَكرِ ، ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ولا هَدَأَتِ الزَّفرَةُ ، إنَّما مَثَلُكُم كَمَثَلِ (الَّتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَنَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ )۲ ، هَل فيكُم إلَّا الصَّلَفُ وَالعُجبُ ، وَالشَّنَفُ وَالكَذِبُ ، ومَلَقُ ۳ الإِماءِ ، وغَمزُ الأَعداءِ ، أو كَمَرعى‏ عَلى‏ دِنَةٍ ۴ أو كَفِضَّةٍ عَلى‏ مَلحودَةٍ ، ألا بِئسَ ما قَدَّمَت لَكُم أنفُسكُم أن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيكُم وفِي العَذابِ أنتمُ خالِدونَ .
أتَبكونَ أخي ؟ ! أجَل وَاللَّهِ فَابكوا فَإِنَّكُم وَاللَّهِ أحرِياءُ ۵ بِالبُكاءِ ، فَابكوا كَثيراً وَاضحَكوا قَليلاً ، فَقَد بُليتُم بِعارِها ، ومُنيتُم بِشَنارها ولَن تَرحَضوها ۶ أبَداً ، وأنّى‏

1.الجرس : الصوت الخفيّ (الصحاح : ج ۳ ص ۹۱۲ «جرس») .

2.النحل : ۹۲ .

3.الملق : أن يعطي بلسانه ما ليس في قلبه (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۳۴۷ «ملق») .

4.الدّمنة : هي ما تُدمّنه الإبل والغنم بأبعارها ... فربما نَبَتَ فيها النبات الحسن النضير (النهاية : ج ۲ ص ۱۳۴ «دمن») .

5.أحرياء : جمع حريّ ؛ وهو الخليق (راجع : لسان العرب : ج ۱۴ ص ۱۷۳ «حري») .

6.ترحضوها : أي تغسلوها (راجع : النهاية : ج ۲ ص ۲۰۸ «رحض») .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14236
صفحه از 952
پرینت  ارسال به