25
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني

حُضَيرٍ ضَربَةً قَدَّتِ المِغفَرَ ۱ ، وبَلَغَتِ الدِّماغَ ، فَخَرَّ كَأَنَّما هَوى‏ مِن حالِقٍ ، وإنَّ سَيفَ ابنِ حُضَيرٍ لَثابِتٌ في رَأسِهِ ، فَكَأَنّي أنظُرُ إلَيهِ يُنَضنِضُهُ ۲ مِن رَأسِهِ .
وحَمَلَ عَلَيهِ رَضِيُّ بنُ مُنقِذٍ العَبدِيُّ فَاعتَنَقَ بُرَيراً ، فَاعتَرَكا ساعَةً . ثُمَّ إنَّ بُرَيراً قَعَدَ عَلى‏ صَدرِهِ ، فَقالَ رَضِيٌّ : أينَ أهلُ المِصاعِ ۳ وَالدِّفاعِ ؟ قالَ : فَذَهَبَ كَعبُ بنُ جابِرِ بنِ عَمرٍو الأَزدِيُّ لِيَحمِلَ عَلَيهِ ، فَقُلتُ : إنَّ هذا بُرَيرُ بنُ حُضَيرٍ القارِئُ الَّذي كانَ يُقرِئُنَا القُرآنَ فِي المَسجِدِ ، فَحَمَلَ عَلَيهِ بِالرُّمحِ حَتّى‏ وَضَعَهُ في ظَهرِهِ ، فَلَمّا وَجَدَ مَسَّ الرُّمحِ بَرَكَ عَلَيهِ فَعَضَّ بِوَجهِهِ ، وقَطَعَ طَرَفَ أنفِهِ ، فَطَعَنَهُ كَعبُ بنُ جابِرٍ حَتّى‏ ألقاهُ عَنهُ ، وقَد غَيَّبَ السِّنانَ في ظَهرِهِ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَيهِ يَضرِبُهُ بِسَيفِهِ حَتّى‏ قَتَلَهُ .
قالَ عَفيفٌ : كَأَنّي أنظُرُ إلَى العَبدِيِّ الصَّريعِ قامَ يَنفُضُ التُّرابَ عَن قَبائِهِ ، ويَقولُ : أنعَمتَ عَلَيَّ يا أخَا الأَزدِ نِعمَةً لَن أنساها أبَداً .
قالَ : فَقُلتُ : أنتَ رَأَيتَ هذا ؟ قالَ : نَعَم ، رَأْيَ عَيني وسَمْعَ اُذُني .
فَلَمّا رَجَعَ كَعبُ بنُ جابِرٍ ، قالَت لَهُ امرَأَتُهُ - أو اُختُهُ - النَّوارُ بِنتُ جابِرٍ : أعَنتَ عَلَى ابنِ فاطِمَةَ وقَتَلتَ سَيِّدَ القُرّاءِ ! لَقَد أتَيتَ عَظيماً مِنَ الأَمرِ ، وَاللَّهِ لا اُكَلِّمُكَ مِن رَأسي كَلِمَةً أبَداً . وقالَ كَعبُ بنُ جابِرٍ :

سَلي تُخبَري عَنّي وأنتِ ذَميمَةٌغَداةَ حُسَينٍ وَالرِّماحُ شَوارِعُ‏
ألَم آتِ أقصى‏ ماكَرِهتِ ولَم يُخِل‏عَلَيَّ غَداهَ الرَّوعِ ما أنَا صانِعُ‏
مَعي يَزَنِيٌّ ۴ لَم تَخُنهُ كُعوبُهُ‏وأبيضُ مَخشوبُ ۵ الغِرارَينِ ۶ قاطِعُ‏
فَجَرَّدتُهُ في عُصبَةٍ لَيسَ دينُهُم‏بِديني وإنّي بِابنِ حَربٍ لَقانِعُ‏
ولَم تَرَ عَيني مِثلَهُم في زَمانِهِم‏ولا قَبلَهُم فِي النّاسِ إذ أنَا يافِعُ ۷
أشَدَّ قِراعاً بِالسُّيوفِ لَدَى الوَغى‏ألا كُلُّ مَن يَحمِي الذِّمارَ ۸ مُقارِعُ‏
وقَد صَبَروا لِلطَّعنِ وَالضَّربِ حُسَّراًوقَد نازَلوا لَو أنَّ ذلِكَ نافِعُ‏
فَأَبلِغ عُبَيدَ اللَّهِ إمّا لَقيتَهُ‏بِأَنّي مُطيعٌ لِلخَليفَةِ سامِعُ‏
قَتَلتُ بُرَيراً ثُمَّ حَمَّلتُ نِعمَةًأبا مُنقِذٍ لَمّا دَعا مَن يُماصِعُ ؟
قالَ أبو مِخنَفٍ: حَدَّثَني عَبدُالرَّحمنِ بنُ جُندَبٍ، قالَ : سَمِعتُهُ في إمارَةِ مُصعَبِ بنِ الزُّبَيرِ وهُوَ يَقولُ : يا رَبِّ إنّا قَد وَفَينا فَلا تَجعَلنا يا رَبِّ كَمَن قَد غَدَرَ ، فَقالَ لَهُ أبي : صَدَقَ ، ولَقَد وَفى‏ وكَرُمَ ، وكَسَبتَ لِنَفسِكَ شَرّاً ، قالَ : كَلّا ! إنّي لَم أكسِب لِنَفسي شَرّاً ، ولكِنّي كَسَبتُ لَها خَيراً .
قالَ : وزَعَموا أنَّ رَضِيَّ بنَ مُنقِذٍ العَبدِيَّ رَدَّ بَعدُ علَى‏ كَعبِ بنِ جابِرٍ جَوابَ قَولِهِ فَقالَ :

لَو شاءَ رَبّي ما شَهِدتُ قِتالَهُم‏ولا جَعَلَ النَّعماءَ عِندِي ابنُ جابِرِ
لَقَد كانَ ذاكَ اليَومُ عاراً وسُبَّةً ۹يُعَيِّرُهُ الأَبناءُ بَعدَ المَعاشِرِ
فَيا لَيتَ أنّي كُنتُ مِن قَبلِ قَتلِهِ‏ويَومَ حُسَينٍ كُنتُ في رَمسِ ۱۰ قابِرِ ۱۱

1.المغفر : زرد ينسج من الدروع على قَدر الرأس ، يُلبس تحت القلنسوة (الصحاح : ج ۲ ص ۷۷۱ «غفر») .

2.يُنَضْنِضُهُ : أي يُحرّكه (النهاية : ج ۵ ص ۷۲ «نضنض») .

3.المِصاعُ : المجالدة والمضاربة (النهاية : ج ۴ ص ۳۳۷ «مصع») .

4.رمح يزنيّ : أي منسوب إلى ذي يزن . قال الجوهري : ذو يزن ملك من ملوك حِميَر ، تنسب إليه الرماح اليزنيّة (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۱۹ «يزن») .

5.المخشوب : الشحيذ (تاج العروس : ج ۱ ص ۴۶۰ «خشب») .

6.الغراران : شفرتا السيف (الصحاح : ج ۲ ص ۷۶۸ «غرر») .

7.أيفع الغلام فهو يافع : إذا شارف الاحتلام (النهاية : ج ۵ ص ۲۹۹ «يفع») .

8.الذّمار : ما لزمك حفظه ممّا وراءك وتعلّق بك (النهاية : ج ۲ ص ۱۶۷ «ذمر») .

9.السُّبّة : العار . ويقال : صار هذا الأمر سُبّة عليهم : أي عاراً يُسبُّ به (لسان العرب : ج ۱ ص ۴۵۶ «سبب») .

10.الرَّمس : التراب ، ثمّ سُمّي القبر به (المصباح المنير : ص ۲۳۸ «رمس») .

11.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۳۱ وراجع : الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۶۵ وأنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۹۹ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
24

العابدين‏] عليهم السلام : بَرَزَ ... بُرَيرُ بنُ خُضَيرٍ الهَمدانِيُّ ، وكانَ أقرَأَ أهلِ زَمانِهِ ، وهُوَ يَقولُ :

أنَا بُرَيرٌ وأبي خُضَيرُلا خَيرَ فيمَن لَيسَ فيهِ خَيرُ
فَقَتَلَ مِنهُم ثَلاثينَ رَجُلاً ، ثُمَّ قُتِلَ رِضوانُ اللَّهِ عَليهِ . ۱

۹۰۹.الملهوف : خَرَجَ بُرَيرُ بنُ خُضَيرٍ وكانَ زاهِداً عابِداً ، فَخَرَجَ إلَيهِ يَزيدُ بنُ مَعقِلٍ ، وَاتَّفَقا عَلَى المُباهَلَةِ إلَى اللَّهِ في أن يَقتُلَ المُحِقُّ مِنهُمَا المُبطِلَ ، فَتَلاقَيا فَقَتَلَهُ بُرَيرٌ ، ولَم يَزَل يُقاتِلُ حَتّى‏ قُتِلَ رِضوانُ اللَّهِ عَلَيهِ . ۲

۹۱۰.تاريخ الطبري عن أبي مخنف عن يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس - وكانَ قَد شَهِدَ مَقتَلَ الحُسَينِ عليه السلام - : خَرَجَ يَزيدُ بنُ مَعقِلٍ مِن بَني عَميرَةَ بنِ رَبيعَةَ وهُوَ حَليفٌ لِبَني سَليمَةَ مِن عَبدِ القَيسِ ، فَقالَ : يا بُرَيرَ بنَ حُضَيرٍ ! كَيفَ تَرَى اللَّهَ صَنَعَ بِكَ ؟
قالَ : صَنَعَ اللَّهُ - وَاللَّهِ - بي خَيراً ، وصَنَعَ اللَّهُ بِكَ شَرّاً .
قالَ : كَذَبتَ ، وقَبلَ اليَومِ ما كُنتَ كَذّاباً ، هَل تَذكُرُ وأنَا اُماشيكَ في بَني لَوذانَ وأنتَ تَقولُ : إنَّ عُثمانَ بنَ عَفّانَ كانَ عَلى‏ نَفسِهِ مُسرِفاً ، وإنَّ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ ضالٌّ مُضِلٌّ ، وإنَّ إمامَ الهُدى‏ وَالحَقِّ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؟
فَقالَ لَهُ بُرَيرٌ : أشهَدُ أنَّ هذا رَأيي وقَولي ، فَقالَ لَهُ يَزيدُ بنُ مَعقِلٍ : فَإِنّي أشهَدُ أنَّكَ مِنَ الضّالّينَ .
فَقالَ لَهُ بُرَيرُ بنُ حُضَيرٍ : هَل لَكَ فَلاُباهِلكَ ؟ وَلنَدعُ اللَّهَ أن يَلعَنَ الكاذِبَ وأن يَقتُلَ المُبطِلَ ، ثُمَّ اخرُج فَلاُبارِزكَ . قالَ : فَخَرَجا فَرَفَعا أيدِيَهُما إلَى اللَّهِ يَدعُوانِهِ أن يَلعَنَ الكاذِبَ ، وأن يَقتُلَ المُحِقُّ المُبطِلَ ، ثُمَّ بَرَزَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما لِصاحِبِهِ ، فَاختَلَفا ضَربَتَينِ ، فَضَرَبَ يَزيدُ بنُ مَعقِلٍ بُرَيرَ بنَ حُضَيرٍ ضَربَةً خَفيفَةً لَم تَضُرَّهُ شَيئاً ، وضَرَبَهُ بُرَيرُ بنُ

1.الأمالي للصدوق : ص ۲۲۴ ح ۲۳۹ ، روضة الواعظين : ص ۲۰۶ من دون إسنادٍ إلى أحدٍ من أهل البيت عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۲۰ وفيه «بدير بن حفير الهمداني» .

2.الملهوف : ص ۱۶۰ ، مثير الأحزان : ص ۶۱ وفيه «يقال له سيّد القرّاء» بدل «عابداً» .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    سيّد محمود طباطبايي‌نژاد، سيّد روح الله سيّد طبائي، محمّد احسانى‏فر لنگرودى، عبدالهادي مسعودي، سيد محمّد كاظم طّباطبائي، مجتبي غيوري
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14149
صفحه از 952
پرینت  ارسال به